تعديلات ضرورية لإصلاح عمل البرلمان المقبل
الحسين المسوري
أعتقدُ حان الوقت أن نقيّم تجربة المؤتمر الوطني والبرلمان، التي خلّفت لنا الكثير من الأسئلة عن صلاحيات المؤسسة التشريعية ودورها، في ما حدث وما أنتجته من ثقافة سياسية سلبية عززت ما يعتقده الكثير من الليبيين بعدم جدوى الانتخابات ووجود مثل هذه المؤسسة باعتبارها أصبحت رمزًا للفساد الإداري والمالي؛ حيث بعض النواب الذين خانوا ناخبيهم ودورهم الرقابي، وظهرت عليهم مظاهر الثراء الفاحش هم وأولادهم.
فالمتابع لممارسات المؤسسة التشريعية في ليبيا سيجد أنها أصبحت تجمع بين السلطة التشريعية والتنفيذية، ولم تعد مهمتها تشريعية رقابية كما هو دورها الأساسي، بل أصبحت جزءًا من السلطة التنفيذية (الحكومة)، وليس رقيبًا عليها؛ بسبب مشاركة النواب في اختيار وفرض الوزراء على رئيس الحكومة مقابل منح الثقة، وهذا ما يفتح باب الفساد والابتزاز، ويجعل النواب يدافعون عن وزرائهم، وبالتالي إنتاج حكومات فاسدة وإفشال أي مسعى لرقابة الحكومة ومساءلتها حتى ولو كان هناك بعض النواب الشرفاء والمحترمين.
لذلك لم نرَ البرلمان يقوم بجلسات مساءلة حقيقية للحكومة التي تعمل في المناطق التابعة له (حكومة الثني) خلال 7 سنوات، رغم تقصيرها وفسادها وتجاوزاتها ومخالفتها وفقًا لتقارير ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية، خاصة بعد أن اشترط رئيسها عبدالله الثني أن تكون المساءلة علنًا أمام كل الليبيين، واتهم الثني بعض النواب بأنهم لديهم مطالب ومصالح خاصة يريدون من الوزراء تنفيذها بالمخالفة للقانون.
وحتى عندما جاءت فرصة إنهاء الانقسام الحكومي إلا أن جلسة البرلمان في سرت خلال منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية (الدبيبة)، أثبتت أن النواب هم شركاء في هذه الحكومة الجديدة وبشهادة رئيسها الذي قال إنه (لم يختر من الوزراء إلا وزيرًا واحدًا)! وبالتالي نحن أمام تكرار لهذا المشهد الذي يبدو أنه أصبح أكثر ترسخًا وحقًا مكتسبًا للنواب.
ومن هنا أعتقد أنه أصبح من الضروري وضع تعديلات ضرورية لإصلاح عمل ودور البرلمان المقبل من خلال تحديد صلاحياته ومهامه، من أجل أن يتم الأخذ بها في مشروع الدستور الدائم للبلاد، وأعتقد أن أول خطوة في إصلاح عمل المؤسسة التشريعية هو سحب صلاحية وسلطة (منح الثقة للحكومة) من النواب وإرجاعها إلى الشعب الليبي الذي هو مصدر السلطات، وذلك بانتخاب رئيس الحكومة من الشعب بشكل مباشر، وبالتالي تكون الثقة قد منحت له من الشعب ولا حاجة إلى منحها له من نواب البرلمان، وسيشكل حكومته وفق قناعته بكفاءة هؤلاء الوزراء على تنفيذ برنامج حكومته الذي طرحه قبل إجراء الانتخابات على الشعب عبر وسائل الإعلام والمناظرات مع منافسيه، وصوت الشعب الليبي له، وهكذا لن يخضع رئيس الحكومة الفائز بثقة الشعب خلال تشكيل حكومته لأي ابتزاز من قبل النواب، وهو من سيتحمل مسؤولية فشل وزراء الحكومة أو يفخر بنجاحهم.
أما البرلمان فيبقى دوره تشريعيًّا رقابيًّا، وذلك بمراقبة الحكومة وليس المشاركة في تشكيلها، والرقابة تكون باستدعاء الوزراء ومساءلتهم حول شكاوى المواطنين الذين يمثلونهم والوزير الذي يثبت تقصيره أو فساده ترفع فيه شكوى إلى النائب العام.
كما يجب على كل نائب البقاء في منطقته ومدينته والتواصل مع ناخبيه والاستماع إلى مشاكلهم وكيفية حلها، وذلك بترجمتها إلى مشروعات قوانين؛ ليعرضها خلال جلسات مجلس النواب وإقناع زملائه من باقي المناطق بتبني هذه القوانين والتصويت لها.