تضخم “الذات الليبية” ؟!
سالم الهمالي
في ليال بلا قمر وجهت الافريكم صواريخها عالية الدقة الى أهداف محددة، في صبراته وبني وليد ومرزق وسبها وقريب من الحدود الجزائرية، قتلت أعدادا كبيرة ممن تتابع تحركاتهم تتراوح بين الأحد عشر والخمسين جملة واحدة، ولم تغفل حتى عن ذلك الذي كان راكبا في سيارة يجوب الوديان التي يجهل جغرافيتها أغلب الليبيين.
هذه الحقيقة لم تمنع البعض من الظهور أمام الليبيين (لا غيرهم) وكأنهم طرزانات وأسود لا يشق لها غبار يرتعد من زمجرتهم الخاوية مواطنوهم من الليبيين العزل من السلاح.
سنين وأمريكا تطالب بتسليم مواطنين ليبيين لاتهامهم في حادثة لوكربي الشهيرة، ولم تستطع الوصول اليهم إلا عبر مفاوضات طويلة بعد أن توسط مانديلا وتوافقت الأطراف على مكان شبه محايد للمحاكمة وتهيئة مكان للسجن، ومع ذلك أفرجت المحكمة عن السجين لتقام له احتفالات كبيرة عند استقباله مخالفة للاتفاق مع الإنجليز أن يتم الأمربسكوت تام.
تضخم الذات الليبية يرجع إلى مرحلة انقضت، أو غاب مؤسسها (القذافي)، لكنها لم تزول من خيال من يعتقدون أن ليبيا اليوم هي ليبيا كما كانت أيامه!
“إلا العتعت”، هذا ما قاله حسني مبارك بعد أن تم استدعاؤه للحضور الى ليبيا، ولا بد أن كوفي عنان يتلوى في قبره من دكمات سيارة الدفع الرباعي وهي تذرع به كهوف ووديان الصحراء الليبية لمقابلة القذافي، الذي أصبح اسمه مقترنا بليبيا، حتى أن هناك من يعرف اسمه أكثر من ليبيا في ربوع المعمورة. واليوم يفرح من يلتقي السكرتير الثالث في سفارة موريشوس في مقهى في قمرت وهو بمثابة رئيس؟!
وإن كان القذافي هو المسؤول عن تضخيم (الذات الليبية)، إلا أن جذور ذلك تسبقه، فمن يسمي جيرانه “فواله” و “عبيد” لا بد وأن يكون من الجنس السامي وأحفاد أنشتاين. “ثروة النفط” هي الأصل والجذر لتلك المصيبة التي نفخت في عقول الليبيين، وجعلت من بعضهم أن يظن أننا نتفوق على جيراننا في الشجاعة والكرم والأصالة والقوة والدماغ ؟!
صحيح، عندنا تاريخ نعتز ونفتخر به، فجهاد الطليان الفاشيست يظل عملا بطوليا بكل المعايير، تصدى فيه الأجداد على فقرهم لأعتى قوة غازية مغتصبة للأرض ومعتدية على حرمات الدين، وذاك ما جعل شعوب العالم تنظر باحترام وتبجيل للشعب الذي فقد نصف أهله في مقارعة المعتدي. لكن ذلك لا يجعلنا نغفل أن نهاية فترة الجهاد كانت بسيطرة القوات الغازية وصدور قوانين من البرلمان الإيطالي يجعل الأراضي الليبية جزءا من المملكة الإيطالية والمواطنين الليبيين تابعين لها.
مضت فترة حكم القذافي وكل ما فيها، وليبيا لم تحقق فوزا بكاس إفريقيا كما فعلت مصر والجزائر وربما تونس والمغرب، ولم يلعب الفريق الليبي في كأس العالم ولا حتى مرة واحدة. وحتى الساعة لا أعلم أن الليبيين حققوا رقما واحدا في أي بطولة عالمية في الألعاب الفردية أو الجماعية. هذه الرياضة نتركها جانبا، فمصر وتونس والجزائر والمغرب والإمارات والعراق والسعودية وآخرين أمتعوا شعوبهم بالمشاركة في كأس العالم، بل إن قطر تعد لاستضافته ٢٠٢٢.
ليبيا بدون قطار، بالرغم من أن تاريخها يظهر بجلاء وجوده في حضارة جرمة الغابرة وفترة الحكم الطلياني البغيض!،ولا داعي أن أذكر أن القطارات تمخر الأرض المصرية والتونسية والجزائرية، بل إن المغرب (الفقير) كما يقول ويكرر بعض الليبيين افتتح قطارا سريعا جدا قبل أشهر …
أما شؤون العلم والثقافة فالأمر ذو شجون، من زويل إلى نجيب محفوظ، اللذين وبالتأكيد أكلا الفول المصري وأصبحوا بذلك رموزا عالمية يشار لها بالبنان. هل أذكر القاهرة والأزهر أم تونس والزيتونة أم مراكش وفاس في المغرب، لنعرف أن جيراننا كانوا ولا زالوا يتقدمون علينا عمليا، بالرغم من ذلك الشعور الذي يشعر به الكثير من الليبيين بأنهم أحسن بكثير ؟!
متى ندرك حجمنا الحقيقي، ونتعامل مع أزمتنا بصدق، بدون عنتريات فارغة لا تقتل ذبابة من أعدائنا، لكن سامة مسمومة تقتل أبناءنا وتدمر بلادنا. نحن شعب صغير حباه الله بالخير الكثير، لكن في أشد الحاجة الى التعرف على ذواتنا، فعدونا الأول هو الجهل الذي جعلنا نظن أننا الأقوى في حين أن هذه القوة لا أثر لها إلا في قتال بَعضنَا، والأغنى في حين أن هذه الثروة لا تظهر إلا في فنادق ومنتجعات وأسواق ومصحات ومصارف الدول الأخرى ؟!
نسيت أن أشير إلى أننا أكثر شعب فيه حفظة لكتاب الله، والأكثر فوزا بالمراتب الأولى في مسابقاته حول العالم …