ترهونة ودورها
إبراهيم قرادة
البعض تفاجأ بظهور ترهونة على سطح الأحداث الساخنة. ربما بعض البعض لا يعرف ليبيا جيداً، وبعض البعض أخذه سيل الأحداث فنسي، وبعض البعض تمنى أن لا يرى.
غير أن كل عارف اجتماعي أو ثقافي أو سياسي أو تاريخي بالشأن الليبي يعرف ترهونة جيدا ويعرف قدر أهله عظيماً. ترهونة من أكبر الحواضر والقبائل حجماً وحضوراً وتاثيراً ودوراً، ومن أعرقها أصالة ليبية وتاريخاً يمتد ومتواصل منذ مئات بل الآلاف السنيين.
للتذكير والاستحضار، إنه في الفتنة الليبية الكبرى الثانية، خلال وبين سنتي 1919- 1922، وما شهدته من أحداث جسام مروعة في غرب ليبيا، من تقاتل فضيع وتهجير شنيع، قادت ترهونة بقيادة شيخها الجليل المجاهد أحمد المريض جهود الإصلاح والمصالحة بترأس المريض “الهيئة المركزية للإصلاح” التي كانت بمثابة الحكومة الوطنية التي خلفت الجمهورية الطرابلسية في قيادة الجهاد ضد الطليان وإدارة الشأن المحلي. كما إن هيئة الإصلاح المركزية بقيادة المريض دشنت جهد التواصل مع الأمير -ذلك الوقت- إدريس السنوسي من أجل توحيد البلاد والجهاد. (ترهونة كانت في مقدمة الثورة ضد الحكم العثماني الثاني(.
ترهونة جزء ومكون رئيسي وأصيل ليس في ليبيا فقط، ولا إقليم طرابلس فقط، بل وفي مدينة طرابلس. فترهونة أو الجبل أو ورفلة أو الزاوية أو زليتن أو زوارة أو مسلاتة أو مزدة أو العجيلات.. ليسوا نازحين ولا مهجرين ولا مستوطنين في طرابلس، إلا إذا كانت طرابلس هي سور السرايا الحمراء ومرفأ باب البحر. ذلك هو التاريخ. وهذا كلمة يجب أن تعرف جيداً من الذين لا يعرفون التاريخ والمجتمع الليبي. فطرابلس المدينة كانت وستكون دوما الدار المرحبة والحاضنة الحانية والبوتقة الصاهرة بتناغم بليغ لكل الليبيين.
ترهونة خلال سنوات الثورة السبعة، وهي من هي بحجمها وتأثيرها، وقفت بصبر دون أن تنخرط في حروب الدم الليبي، رغم الجراح والجروح، وليس عن ضعف أو قلة ولا عن جبن أو استضعاف بل عن وطنية سامية.
ولهذا فيا ترهونة، كوني كما عرفك ويعرفك الليبيون القلب المفتوح والعقل الراجح واليد الممدودة التي تصافح كل ليبيا، ويلتقي فيها وحولها الليبيون.