تربية الأفاعي
نوارة الجبالي
يمرّ الوطن بمحنة عظيمة ستؤثر لا محالة على أجيال قادمة. ومثلما كانت حقبة السبعينيات والثمانينيات وما جرى فيها من عنف أهوج وقتل ممنهج نرى آثاره اليوم، بعد أن عاش الليبيون قبلها فترة من التسامح والاستقرار النسبي. لابد من التسليم أن ما يحدث الآن ستكون له عواقب وخيمة في المستقبل.
كيفَ تردّْ؟ وماذا تقول عندما يسألك طفل منْ يقتل منْ؟ أو بتعبيره البرئ “من اللي يتعاركوا في ليبيا؟”
ليس هناك عجز و”قلة حيلة” أكثر من رؤية الأهل وهم غير قادرين عن تقديم تفسير مقنع لتساؤلات أطفالهم هذه، وخاصة عندما يكون السؤال “ليش ذبحوهم يا ماما أو بابا؟”
تتلوثُ عقول أطفالنا، وهم يرون الذبح والقتل والانفجارات والدمار والتصفيات الجسدية والتشريد والتمثيل بالجثث! فأيّ مستقبل مظلم ينتظر هؤلاء الأطفال الذين رأيناهم في مشهد صادم يُتداول ببساطة، وربما باستمتاع من البعض، على صفحات بما تسمى التواصل الاجتماعي. أطفالٌ يمثلون عملية إعدام لطالما رأوا مثلها مرارا وتكرارا. لقد مثَل الصبية المشهد بكل دقة واحتراف موجع، إلى درجة يتمنى فيها المرء لو كان كابوسا مزعجا سيفيق منه. ولكن للأسف، إنها الحقيقة المؤلمة، فحتى الألعاب البريئة تأثرت بالعنف والإرهاب. أيُّ دلالة حملها ذلك المشهد المروّع، الذي استبدل فيه الأطفالُ ألعابهم البريئة مثل “الكرة والبطش والليبرة وغيرها” بمشاهد عنف تنبئ بما وصل إليه الحال. والسؤال الذي يطرح نفسه هل يستوعب الأهل مدى خطورة هذا المشهد وقد أصبح العنف جزءا من مكوناتِ شخصية من يُعوّل عليهم في بناء الوطن.
الحالةُ السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما يجري من أحداث، يعيشها الناس، وتحديدا الصغار منهم، وما تتناقله وسائل الإعلام من مشاهد مأساوية، تؤثر بالتأكيد عليهم، فيعبرون عنها من خلال ألعابهم اليومية.
الأطفال أكثر الفئات العمرية تضرراً من ويلات الحروب، والنزاعات المسلحة، والهجمات الإرهابية، والجريمة المنظمة ، نتيجة للفراغ الأمني وغياب سيادة القانون واستمرار حالة الإفلات من العقاب، وما تشهده البلاد من فوضى.
أغلب الاختصاصيين يؤكدون أن أخطر آثار الحروب هو ما يظهر بشكل ملموس لاحقاً في جيل كامل من الأطفال سيكبر من ينجو منهم، وهم يعانون من مشاكل نفسية، وربما ينشأ جيل كاملٌ من الخارجين على القانون. ويحضرني هنا المثل الشائع حول أن من يربي أفعى في كمّه سيتعرض إلى لدغتها لا محالة. فأطفال ليبيا يدفعون ثمن الفوضى والانقسام وعدم وجود دولة مستقرة وآمنة تحفظ براءتهم وتحميهم فيداوون جراح الوطن ولا ينفثون سمومهم فيه.