ترامب والـ’سي إن إن’ وإيران
إبراهيم الزبيدي
إلى ما قبل انتخاب دونالد ترامب كان المعتقد أن الأميركان هم المثال النادر الوحيد على وجه الكرة الأرضية في النقاء الديمقراطي وصلابة الإيمان، حكاما ومحكومين، وأن المصالح القومية العليا فوق أيّ مصالح شخصية أو حزبية أو مناطقية، وأن التبادل السلمي للسلطة عبر تاريخ الولايات المتحدة الأميركية الطويل شيء فريد لا يحدث في غيرها من البلدان.
حتى ظل العالم، سنين طويلة، مبهورا بديمقراطية الحزب الخاسر في الانتخابات، واحترامه، وصدق تمسكه بمبدأ التداول السلمي للسلطة. وقد اعتادت عشراتُ الملايين من مشاهدي محطات التلفزيون على رؤية المرشح الخاسر واقفا إلى جانب خصمه الفائز مصفقا له بحرارة في يوم تنصيبه. بل حدث مرارا أن يقبل رئيس سابق بأن يكون مبعوثا من رئيس آخر في مهمّة.
ولكن الذي حدث في أميركا، هذه المرة، كان شبيها بما يحدث في عالمنا الثالث من معارك بين حكام جدد وآخرين بائدين، لا مكان فيه لديمقراطية، ولا لمصلحة وطن. وكما يحدث عندنا في الانقلابات العسكرية، حين يُحرق الحاكم الجديد بسرعة ومن أول يوم، جميع ملفات الحاكم المطرود، أبيضها وأسودها، أخضرها ويابسها، على السواء، دون احتساب لأيّ احتمال أن يكون فيها ما ينبغي احترامُه والاستفادة منه والبناء عليه، فقد حدث في أميركا في العشرين من يناير الماضي، أن أحرق الرئيس الفائز ملفات سلفه الخاسر بلا رحمة ودون انتظار.
ولا الجمهوريون الرابحون، ولا الديمقراطيون الخاسرون، وفروا وسيلة للانتقام من خصومهم إلا وبرعوا وبالغوا في استخدامها. وكما يفعل السياسيون عندنا في بلاد العالم الثالث، فقد تبادل الديمقراطيون والجمهوريون الأميركيون نفس الشتائم، ودبروا نفس الدسائس، ولفقوا واختلقوا نفس الأكاذيب، ونقبوا عن نفس الفضائح، حتى أثبتوا أن الشعار الذي كانوا يتغنون به “اللهم بارك أميركا” كان كلاما في كلام.
فهذا هو ترامب، منذ أوّل أيامه في البيت الأبيض، وهو منهمك في هدم كل ما فعله الديمقراطيون. وها هم قادة الحزب الديمقراطي، بالمقابل، وفي طليعتهم هيلاري كلينتون وباراك أوباما، وجميع من أزعجه فوز ترامب بالرئاسة أو أضرّ بمصالحه، من نواب وشيوخ وحكام ولايات ومسؤولين في وزارات ومؤسسات حكومية وسفارات، ورؤساء تحرير صحف عريقة وأصحاب فضائيات عملاقة، يدوسون جميعا، على الديمقراطية والوطنية، ويُسيّرون التظاهرات، ويحرّضون على الحرق وتكسير زجاج المطاعم والبارات، ويتفننون في وضع ما في قدرتهم من عِصيّ في عجلة الدولة، فقط للمشاكسة. ولتذهب الديمقراطية والوطنية إلى الجحيم.
مناسبة هذا الكلام ما يثيره الديمقراطيون وأنصارهم من عواصف وزلازل، داخل أميركا وخارجها، حول قرار ترامب الخاص بمنع دخول مواطني الدول العربية الست، وسابعتها دولة الولي الفقيه.
فمن المشكوك فيه، أن تكون بين دوافع ترامب لإصدار هذا القرار كراهية للإسلام والمسلمين، بقدر ما هو إدانة لسياسات الديمقراطيين الداعمة للإسلام المتشدد، وفضحٌ لتخاذل أوباما في محاربة داعش، ودعمه لحركة الإخوان المسلمين، وتساهله مع إيران رغم علمه بدورها في نشر الفوضى وإنعاش الإرهاب، في منطقة هي الأشدّ أهمية وحيوية لمصالح الولايات المتحدة، وأكثرها نفعا ماليا ونفطيا لشركاتها ومواطنيها. وبهذا الفهم لحقيقة عداء ترامب لداعش، وإصرارِه على جعل القضاء عليه أول أهداف سياسته الجديدة، يمكن تفسير دوافعه لمحاصرة إيران، ومسارعته لإعادة التحالف مع دول عربية وإسلامية تشاطره الشكوى من انحياز أوباما لإيران، وتحالفه مع الإخوان المسلمين وباقي حركات الإسلام الراديكالي.
وإذا كان طبيعيا ومنتظرا أن تهبّ إيران، ومعها وكلاؤها العراقيون واللبنانيون والسوريون واليمنيون والفلسطينيون، وبكل ما أوتيت من جهد، لإقناع المسلمين بأن ترامب عدوّهم المبين، وبأن قراره حربٌ على دينهم، وتدعوهم إلى الاحتجاج عليه، فلا يمكن أن يصدق أحد أن معارضة الديمقراطيين للقرار ولصاحب القرار عشقٌ لدين الإسلام، ودفاع عن المسلمين، ونصرة لحقوق الإنسان، وخوف على المصالح الأميركية المهددة بقرار ترامب، وسوء سلوكه، وسلوك مستشاريه أجمعين.
ألا ترون “السي إن إن” كيف تجعل “الحبة قبة” لتثبت نازية ترامب، وفاشية أعوانه ومستشاريه، ثم تعدنا بالمزيد من قراراته النارية القريبة المدمرة لحرية العقيدة وكرامة الشعوب، ثم تبشرنا بسقوطه عن قريب؟ وكما يموت الرئيس السابق أوباما، ورفيقة دربه هيلاري كلينتون، حبا وهياما في الإسلام والمسلمين، وعشقا للعدالة والحرية وحقوق الإنسان، فإن إيران، ومعها الحشد الشعبي وبدر ومقتدى وبرلمان سليم الجبوري، لا يقلّون عنهما شهامة وحمية ومحبة لجميع المسلمين، وخوفا من خطر ترامب على العدالة والحرية وحقوق الإنسان. ولله في خلقه شؤون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “العرب” اللندنية