“تبو ليبيا”.. حينما تتلون الصحراء
ليبيا إدريس
منذ عام 2017 وبقرار من الهيئة العامة للإعلام والثقافة والمجتمع المدني؛ يحتفي الليبيون في منتصف سبتمبر باليوم الوطني للثقافة التباوية، إحدى أربع ثقافات أساسية مكوّنة للنسيج الاجتماعي الليبي، والذي أصبحنا اليوم أكثر وعيا به ونتمنى أن نصبح غدًا أكثر تسامحًا معه وفخرًا به.
التبو هم مجموعة استوطنت الصحراء والساحل وتتكون تاريخيا من الرعاة ومربي الإبل والأبقار. وقد تركزوا في المناطق الحدودية على تخوم أربعة أقطار إفريقية أهمها ليبيا وتشاد والنيجر والسودان. وقد تداخلت مناطقهم مع مناطق من عاصرهم من قبائل عربية وطارقية وغيرها.
وتفيد العديد من الدراسات الأنثروبولوجية والإثنية التي تناولت التبو، بالدراسة والتحليل، أن المجتمع التباوي بشكل عام يظهر على الأرض في شكل كوكبة من المجموعات الصغيرة المتنقلة بانسيابية كبيرة وتكوينات متفاوتة وبدون سلطة سياسية مركزية. وهذه التركيبة الاجتماعية البدائية (إذا جاز القول) أو الفطرية والتي تميزت بغياب القيادة أو الزعامة قد أثارت دهشة كل من عرف التبو أو تواصل معهم وتابع أخبارهم أو تناولهم بالدراسة والبحث*
وقد أشار المؤرخ الإغريقي هيرودوت الذي زار شرق ليبيا حوالي العام 450 قبل الميلاد في كتابه “التاريخ” إلى وجود شعب (أسود البشرة) في الجنوب الليبي، اعتبره إحدى القوميتين الأصليتين في ليبيا، يكاد يُجمع المؤرخون المختصون على أنه شعب التُبو.
ويرى غيره أن هذه الكلمة كانُورية الأصل أي أنها تعود لشعب الكانوري، ومركبة من مقطعين: “تُو” وهو الاسم الذي يُشير به التُبو إلى جبال تبيستي، و”بُو” وهو صيغة الجمع، أي أنها تعني “الجَبَليُّون”.
وفي هذه المساحة، سأكتفي بالمعلومات التاريخية المذكورة أعلاه، وعلى الراغبين في التعمق في فهم التبو وتاريخهم وحضارتهم؛ البحث وإن كنت المصادر شحيحة وما توفر منها متكرر. هذه المقالة ستعرض خبرات وتجارب ورؤية مستقبل التبو الليبين؛ شباب التبو.
شخصيًا، أجزم بأن المكونات الثقافية والعرقية المختلفة في ليبيا نعمة لم نصنها (كغيرها) حتي الان، لكن لطالما راودتني فكرة أنني أنتمي للأغلبية، فكيف يعرف أبناء جيلي الذين ينتمون لهويات (أقل عددًا) وهم بذلك أقلية؛ كيف يعرفون التنوع من خبراتهم المعيشة؟
توجهت إلى إيمان التباوي وحسن كدنوا وهما ناشطان مدنيان تباويان مهتمين بالشأن الوطني و بإحياء هويتهم التباوية، وسألتهما: متى كانت أول مرة يعرف أي منكما أنه تباوي؟ أو ينتمي لعرق مختلف عن الأغلبية ؟
وكانت الإجابة شبه متطابقة، حيث قال حسن: “في أول سنة ليا في المدرسة أمضيت أول يوم دراسي لي معاقب وعدت للبيت بورقة استدعاء ولي الامر، في اليوم اللاحق جمعنا أبي أنا وأخي وإخوتي في المربوعة وحاول أن يشرح لنا بشكل مبسط أن اللغة التي نستخدمها في البيت ليست هي التي ستدرس بها، وأن علينا التعود على استخدام اللغة الأخرى التي لم نكن نتقنها حينها، وشرح لنا أننا ليبيون ولكن لنا عاداتنا وتقاليدنا الخاصة بنا. فهمت يومها أنني تباوي وفهمت حينها لماذا جلدتني المدرسة وحولتني الى الادارة لتتعامل مع ما اعتبرته هي قصورًا في الفهم”.
وقالت “إيمان”: المدرسة كانت عالم جديد تماما، وكانت الأغلبية فيه عربية فكان دخول هذا العالم على حين غرة مرعب في البدء، خاصة بوجود ثقافة الإرهاب اللغوي والتمييز اللغوي من بعض المدرسين لأن معظم الأطفال التبو لا يجيدون العربية، هذا التمييز الواقع على غير المتقنين للعربية قضية ملحة تستدعي العلاج، لأنها سببت عزوف كثيرين عن المشاركة في المجتمع والتسرب من المدارس بسبب تمييز المدرسين.
باعتبارنا أطفال التبو، نحن مرغمون على تطوير وعي مبكر باختلافنا اللغوي والثقافي والعرقي خاصة في المناطق ذات الأغلبية العربية، من دون أي دعم من وزارة التعليم.
وأضاف “حسن”: ما بعد الثورة، أصبح الوعي بالتنوع أفضل بالذات بين أوساط الشباب المقتنعين بأننا “أمة” كما يشار إلى ليبيا في فترة المملكة وأن اختلافنا ميزة ونعمة وعامل إيجابي”.
أما “إيمان” فقد قالت إن ثقافة التنوع في ليبيا “جنين يمر بولادة متعسرة”.
وأكدا معًا أن التنوع والتعدد الثقافي في ليبيا الغد سيكون أفضل من ماضيه، وقالت “إيمان”: نسبة معقولة من الجيل الجديد في ليبيا بحكم كونهم digital native منفتحين على العالم وعلى الثقافات المختلفة، وجزء لا بأس بيه منهم عنده اطلاع وتشرب للمفاهيم الحقوقية وهذا الشيء يجعلهم من داعمي التعددية والتنوع ومن دعاة التسامح مع الاختلافات وهذا شيء يمنح الأمل في غد أجمل لهذه البلاد”.
أما “حسن” فقد قال: أخص بالذكر الاعلامين وصناع المحتوي الالكتروني المختصين بالقضايا الثقافية والاجتماعية والذين يساهمون اليوم بشكل إيجابي في إعادة رسم مفاهيم وقناعات المجتمع، عن طريق الاحتفاء بالثقافات المختلفة المكونة لليبيا”.
وبالحديث عن مكونات الصحراء الليبية الكبرى، لن أجد كلام أجدي مما قاله الروائي الليبي – التارقي عن صحرائنا الصحراء هي الجدة التي ربتني وهي التي روت لي وهي التي دفنت في قلبي سرها ولهذا عندما أتحدث عن الصحراء أشعر بأن الصحراء مسكونة.. أشعر بأنني مسكون بالصحراء، يعني لست أنا من يسكن الصحراء ولكن الصحراء هي التي تسكنني لأن في الصحراء فقط يتجسد مبدأ وحدة الكائنات، في الصحراء تعلمت أن تكون الشجرة، أصغر شجرة أو أصغر نبتة قرين لي، في الصحراء أيضا تعلمت تحريم أن تنتزع عودا أخضر، في الصحراء تعلمت ألا أفقس بيضة طير”.
*مقالة عن التبو (بيئتهم-تاريخهم-وثقافتهم) – مركز الدراسات التباوية