تاريخ هيرودوتوس كاملا في ترجمة عربية عن الأصل الإغريقي
عمر أبو القاسم الككلي
منذ أن انفصل الإنسان عن المملكة الحيوانية والطبيعة، بفعل تطور الدماغ لديه، وما نجم عن ذلك من تبلور ما يعرف بالعقل، الذي أخذ يشتغل في اتجاهين: اتجاه نحو الماضي المسؤولة عنه الذاكرة، واتجاه نحو المستقبل المسؤولة عنه المخيلة، نشأ الاهتمام بالتاريخ الشخصي والأسري والعشيري والقبلي، لنقله من الماضي الزائل إلى الحاضر الجاري، ثم إلى المستقبل المنتظر.
كانت العملية في البداية، أي قبل التاريخ، تنقل من الذاكرة الفردية إلى الذاكرة الجماعية شفهيا. وبعد اختراع الكتابة، أي مع بداية التاريخ، صار بإمكان الإنسان اختراع ذاكرة بديلة، تقع خارجه، يمكن وصفها بأنها ذاكرة اصطناعية، أو وهمية، وهي تسجيل محتوى الذاكرة الأصلية، أو الطبيعية او الصلبة، كتابة على أُدَم تعد لهذا الغرض. ومن هنا ظهرت فكرة التأريخ.
وأول مؤرخ معروف في العالم هو هيرودوتوس (484؟- 425؟ ق.م) اليوناني الملقب “أبو التاريخ” والمعروف بكتابه “التواريخ” أو “التاريخ”.
ومن غير المعلوم أنه قد ظهرت سابقا ترجمة عربية كاملة لهذا الكتاب الذي تحدث فيه صاحبه عن البقاع الموصوفة الآن بأنها عربية، مثل ليبيا ومصر وبلاد الرافدين وسوريا وشبه الجزيرة العربية.
بيد أنه مؤخرا أصبحت بين يدي قراء العربية ترجمة كاملة لهذا الأثر، عن اللغة الإغريقية مباشرة، أنجزها الأستاذ الدكتور محمد المبروك الدويب*، أستاذ اللغات القديمة بقسم التاريخ والآثار- جامعة طرابلس.
ومن الوهلة الأولى لا يخطيء القاريء الجهد المضني، مثلما يصفه المترجم نفسه، المبذول في هذه الترجمة التي تحرى فيها منجزها أقصى حد ممكن من الدقة، من خلال العودة “لكتب قواعد اللغة […] الإغريقية واللاتينية والإنجليزية واليونانية الحديثة”. وأيضا “الموسوعات والمراجع المتعلقة بالتاريخ والجغرافيا والرحلات والفلسفة والآداب والعلوم التطبيقية المتنوعة بحثا عن تفسير صحيح لمصطلح أو ظاهرة أو للتعرف على اسم مكان أو أداة أو حيوان”. إضافة إلى “بعض المختصين في فروع المعرفة المختلفة لاستيضاح غموض أو للتعرف على أمر مجهول”.
وحول أهمية هيرودوتوس بوصفه مؤرخا، يورد المترجم بعض ما قاله فيه مفكرون قدماء ينانيون ورومان. حيث أشاد به أرسطو “لترابط أفكاره”. أما شيشرون الروماني، الذي كان أول من وصفه بانه “أبو التاريخ”، فقد قال عنه “أنه محلل عميق للحياة البشرية ومؤرخ واثق من هدفه، ومؤرخ راوية”. ويقول عنه المترجم أنه “أول من طور الرواية التاريخية إلى رواية نثرية طويلة للأحداث التاريخية والوقائع الغريبة”. ويعده البعض، حسب المترجم، أنه “أدخل الفلسفة في التاريخ ووضع حدا لفترة طفولة التاريخ المتمثلة في سرد الروايات الشعبية وشق طريق البحث التاريخي”.
لنا ملاحظتان ليستا في صالح الترجمة. الأولى نراها جوهرية تخدش جسد الترجمة في أماكن كثيرة، وهي كثرة الأخطاء النحوية، ووجود أخطاء إملائية، وإن كانت قليلة. إضافة إلى السهو عن إزالة الكلمة المستبدلة عندما يضع كلمة بديلة. الملاحظة الثانية شكلية، وهي أنه في كل مرة يورد اسم علم يضع أمامه كتابته بالأبجدية اليونانية. وهو أيضا يكتب أسم العلم بالأبجدية العربية، على نحو أقرب ما يكون إلى نطقه اليوناني، وإن كانت له كتابة شائعة في العربية يثبت ذلك الشكل بين قوسين، وإذا كان له أكثر من نطق في اليونانية يثبت ذلك بالعربية واليونانية في كل مرة يرد فيها هذا الاسم. وفي رأيي أنه كان الأوفق أن يكتفي بثبت الأعلام الذي وضعه في نهاية الكتاب بالعربية واليونانية ليوفر على نفسه هذا الجهد الإضافي، ويقلل أيضا من عدد صفحات الكتاب.
لكن هذه الملاحظات لا تقلل، بأي حال، من فائدة هذا الجهد المتفرد.
* تاريخ هيرودوتوس. نقله عن الإغريقية الأستاذ الدكتور محمد المبروك الدويب أستاذ اللغات القديمة بقسم التاريخ والآثار. كلية الآداب- جامعة طرابلس. وزارة الثقافة والتنمية المعرفية (د. ت).