تاريخنا المشترك مع “الحمير”
حمزة جبودة
أن يكتب عضو مجلس النواب، عصام الجهاني، على صفحته الشخصية، “علم برقة والجيش السنوسي البرقاوي ومن يقول غير ذلك فهي حمير ناهقة تأكل البرسيم وترفس…!” ويدعمه بمنشور في نفس اليوم يقول فيه: “نظر إليّ بغضبٍ عتاب شديد وقال لي فكنا يا اوخي من قصة إقليم برقة، فقلت له لا تتضايق إذا نسميها منطقة شرقية، فابتسم راضيا وسكت، فقلت له ما رأيك بمُنيطِقة شرقية فانفجر فرحاً وسعادة… رغم ذلك أعطيتهُ عربون محبة فازو عسل… من ذكريات دولة القعمول….!” يعني أنّ النائب الجهاني، يرى في كلِّ الليبيين الذين يُخالفونه الرأيَ عبارة عن “الحمير”، وهُنا يجبُ أن نتوقف عند هذه المفردة على وجهِ الخصوص، لأنها تُعدُّ انتهاكاً صريحًا لكل ليبي يرفض فكرة “الفيديرالية” أو “الانفصال” كما يُحبّ الآخرون تسميتها.
لن نتطرق أو ندخل في معركة عصام الجهاني، احتراماً لأهلنا في كل ليبيا، واحتراماً لتاريخ برقة الحافل، وقبلها تقديراً لبنغازي العظيمة، وقبل كل هذا، احتراماً لنفسي. ولكن بمُناسبة “الحمير” سأعطي بعضًا من الإشراقات للسيد الجهاني، عن هذه الحيوانات اللطيفة، التي ساعدت البشر على تجاوز مشاكلهم في عصور سابقة وإلى اليوم ما تزال بعض الشعوب تستخدم الحمير، لأنها تعرف جيدًا أنها صبورة على تحمّل الأغراض، والمشي لمسافات طويلة، وأن عليه اختيار مفرداته في مراحل أخرى، لو أراد أن يكتب ويسلك تلك الطريقة في وصف خصومه.
“الحمير” حيوانات أليفة، وساعدت البشر في كل الحقب التاريخية القديمة، وكانت محورا أساسيًا للمُزارعين، الذين يعتمدون عليه في الحرث ونقل الحبوب، ومن بعدها تطوّر الأمر وأصبحت فيها الحمير، تُساعد في نقل الجرحى وكبار السن، الذين يقطنون القُرى الريفية، والمناطق التي تفتقر إلى وسائل النقل الحديثة، وفي كل مراحلها كانت تُساعد البشر في حراكهم وتقدّمهم، وبإمكان الجميع البحث عن تاريخها العلمي، واكتشاف ما قدّمته هذه الحيوانات المضطهدة على مرّ عصورها مع الإنسان إلى اليوم.
في جوانب أخرى، نجد أن علاقة الإنسان بالحمير، هي علاقة أزلية، ومُشوّشة. نتيجة للصراخ التعذيب الذي يتعرّض لهُ “الحمير” في مواسم الحرث، على وجه التحديد، ولكن في نهاية كل مهمة لهم، نجد أن صاحبه “الإنسان” يعتذر من “حماره” بطريقته الخاصّة، ويتفهّم الحمار في المقابل هذا الاعتذار، ويصمت دون “نهيق” منه.
لا أحد ينكر دورهم في حياتنا، أجدادنا وآباؤنا، مؤسسو العلوم والأدب والتاريخ الإنساني، ركبوا الحمير، ولم يقتصر الأمر عند هذا، بل حتى في قصص الأطفال، تجد أن للحمار مكانة واحتراما لما يُقدّمه من خدمات كثيرة.
حاولوا معرفة هذه الحقيقة وواجهوها بأنفسكم ولوحدكم، اعترفوا بها، اقرأوا أكثر عن فوائد الحمير، ادخلوا إلى محرك البحث “الجوجل” اسألوا الجدّات عن حكايات التراث ومكانة “الحمير” فيها، الإرث الإنساني حافل بنقوشه الباقية أمام الإنسان.
كلمة اعتذار لابدّ منها:
إلى كل “الحمير”.. أعتذر لكم نيابة عن الجميع، اغفروا لنا خطايانا، وساعدونا في الخروج من الحُفر التي أسقطنا أنفسنا فيها، سامحونا لأننا أدخلناكم معنا في الصراع الليبي الداخلي، ونؤكد لكم أننا نقف معكم، ونحترم “لُغتكم” التي تعلّمنا منها الصبر. وأن قضيتكم قضيتي، لا لشيء، فقط لأن تاريخنا مُشترك.