بين منتدى تونس والتجارب السابقة.. “سيناريو جديد وأسماء مُكررة”
ومع وصول المشاركين لمنتدى الحوار السياسي بتونس، يتساءل الليبيون عن مدى تشابه هذا اللقاء بالحوارات السابقة التي رعتها البعثة الأممية لحل الأزمة ومخاوف في أن يكون الحوار الحالي نسخة أخرى لاتفاق الصخيرات.
جهود البعثة الأممية
ماتزال بعثة الأمم المتحدة مستمرة في حل الأزمة بعد سنوات من الخلافات السياسية بين الفرقاء حيث ومع عشرات الجلسات الرسمية ومئات اللقاءات تتمكن الآن من جمع الأطراف المختلفة على طاولة واحدة في تونس، ولكن ما الفرق بين حوار الأخير والحوارات السابقة؟
اتفاق الصخيرات وظهور السراج
يتساءل الليبيون اليوم عن الفروقات التي أحدثتها البعثة الأممية هذه المرة في جمعها للأطراف.. إذ بدأت الملتقيات غير المباشرة منذ أواخر العام 2014 بغية الوصول إلى صيغة تفاهمية بين أعضاء مجلس النواب الحاضرين للجلسات في طبرق والمقاطعين لهم، ثم امتدت لتشمل عمداء البلديات وأخرى لرؤساء الأحزاب إلى أن ضمت شخصيات مستقلة إضافة لأعضاء المؤتمر الوطني السابق والذي بات من حينها طرفا رئيسيا في الحوار في اجتماعات استضافتها عدة دول ومدن بدءًا من غدامس إلى تونس ثم جنيف والجزائر ونيويورك إلى الصخيرات، والتي تم فيها في منتصف ديسمبر 2015 الوصول إلى توقيع اتفاق سياسي بحضور جل الأطراف المذكورة أنتج المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق وأحيا المؤتمر الوطني تحت اسم المجلس الأعلى للدولة كجسم استشاري إضافة لمجلس النواب بيد أن خلافا نشب على بعض بنود الاتفاق.
استمرار الانقسام وعودة جلسات الحوار
لم تحل الأزمة الليبية حتى مع اتفاق الصخيرات وجرى أن مجلس النواب لم يمنح الثقة لحكومة الوفاق وظلت الحكومة المؤقتة تمارس أعمالها شرق ليبيا والوفاق في غرب البلاد، مفوضا وزراءه بدعم دولي، ثم عادت جلسات الحوار للانعقاد مجددا بدءا من أواخر العام 2016 ولكن دون جدوى.
اجتماع باريس.. حفتر طرف سياسي
في العام التالي تمكن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من جمع الخصوم الليبيين على طاولة واحدة في باريس التقى خلالها المشير خليفة حفتر مع رئيس الرئاسي فائز السراج في يوليو 2017 بهدف تسهيل اتفاق سياسي بين الطرفين وإيجاد توافق حول جيش موحد إلا أن اللقاء لم يكن سوى حفل لالتقاط الصور لا أكثر، كما وصفه الليبيون ولم ينفذ شيء على أرض الواقع فيما أضفى اللقاء شرعية دولية للمشير حفتر كخصم سياسي وليس فقط قائدا لقوات الجيش.
مؤتمر باليرمو.. حفل لالتقاط الصور
لقاء باريس حفّز روما بعقد لقاء أوسع هذه المرة في مدينة باليرمو الإيطالية على جزيرة صقلية في منتصف نوفمبر 2018 دُعي إليه رؤساء الأجسام السياسية النواب والأعلى للدولة والمجلس الرئاسي، إضافة لقائد الجيش إلى جانب رؤساء كل من مصر وتونس بحضور وفود من 38 دولة، بما في ذلك الجزائر وروسيا والولايات المتحدة، ورئيس بعثة الدعم مبعوث الأمين العام الخاص إلى ليبيا غسان سلامة، وممثلين عن الاتحادين الأوروبي والأفريقي، فيما لم يأت اللقاء بجديد عن اجتماع باريس الذي سبقه سوى محفل التقت فيه الأطراف لالتقاط الصور، وذكر مراقبون أن اللقاء الإيطالي يندرج في سياق المنافسة على النفوذ بين روما وباريس فيما أفضى إلى تسمية المجموعات المسلحة والمطالبة بحلها.
لقاء أبوظبي.. تفاهمات لم تدم
لم تتوقف الوساطة الأممية عند هذا الحد ونظمت بالتنسيق مع الخارجية الإماراتية في مارس 2019 لقاءً بين السراج وحفتر قيل إن الطرفين فيه أحرزا تقدماً ملحوظا في المباحثات، بحضور سلامة إلى جانب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فيما لم تصدر عن اللقاء أي مقررات رسمية ومعلنة.
حرب طرابلس.. وتعثر الجهود الأممية
وكانت البعثة الأممية حينها تستعد لعقد ملتقى وطني ليبي جامع في مدينة غدامس منتصف أبريل من ذات العام، وقبل هذا الموعد بعشرة أيام وفي الرابع من الشهر ذاته أعلن الجيش الوطني انطلاق عملية عسكرية جنوب طرابلس بهدف إخراج المجموعات المسلحة منها، وهنا بات انسداد الأفق سيد الموقف وازدادت الأزمة تعقيدا في حين ظهر جلياً الانقسام الدولي حول ليبيا، ثم بدأت برلين في الإعلان عن تنظيمها لمؤتمر يجمع الأطراف الليبية والدولية الضالعة في الشأن الليبي إلا أن الاجتماع تأخر لأشهر.
اجتماع موسكو.. حفتر يغادر دون توقيع
قبل موعد مؤتمر برلين المرتقب بأيام قليلة وفي الرابع عشر من يناير من هذا العام وفي أحدث اللقاءات بين الأطراف اجتمع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج مع المشير خليفة حفتر في موسكو برعاية خارجيتي روسيا وتركيا بهدف الوصول إلى اتفاق صلح. وبعد اجتماع مطول، استمر لحوالي سبع ساعات، لم يخرج “الفرقاء”، باتفاق واضح يرضي أيا منهما. اذ وقع السراج على مسودة اتفاق موسكو، فيما غادر حفتر اللقاء دون التوقيع.
مؤتمر برلين.. تعهدات بإيقاف تسليح ليبيا
بعد اجتماع موسكو بين حفتر والسراج باتت الفرصة مواتية لبرلين التي اعتمدت حينها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على أسلوب جديد لمحاولة حل الأزمة الليبية، حيث دعت الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، على اعتبار أن الملف الليبي، يقع تحت طائلة الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، أي تحت إشراف مجلس الأمن. حضرته دول أخرى ذات صلة بالنزاع، تمخضت عنه مسودة، وقع عليها الحاضرون، حثت الطرفين على وقف إطلاق النار، وإنهاء التدخل الأجنبي على الأرض. فيما لم يجلس أطراف الأزمة الليبية في ذلك الاجتماع على طاولة واحدة ولكن وقعت فيه الدول المشاركة على تعهدات بوقف تصدير الأسلحة إلى أطراف النزاع ووقف الحملات العسكرية والدعم.. واعتبر مؤتمر برلين من أهم لقاءات التسوية السياسية للأزمة الليبية، رغم أنه لم يسفر عن أي اتفاق سياسي واضح حول الأزمة باستثناء الوقف الهش لإطلاق النار. الذي سرعان ما تم اختراقه إلى أن انسحبت قوات الجيش من مناطق غرب البلاد وتمركزت في حدود منطقتي سرت – الجفرة مطلع يونيو الماضي.
استقالة سلامة.. وانسحاب الجيش من جنوب طرابلس
ترافق انسحاب الجيش من مناطق غرب ليبيا وتمركز طرفي الصراع المسلح على تخوم سرت – الجفرة مع سيل من الأحداث من بينها تقديم المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة باستقالته في مارس وتفشي فيروس كورونا الذي واجهه الليبيون بنظام صحي هش وانقسام مؤسساتي واسع، كذلك بياني رئيسي المجلسين النيابي والرئاسي لوقف إطلاق النار في ليبيا ثم تفاهمات استئناف إنتاج وتصدير النفط بين نائب الرئاسي أحمد معيتيق والجيش الوطني ما جعل المناخ السياسي جاهزا لعقد تفاهمات.
مناخ سياسي مواتٍ لاستئناف المفاوضات
بعد مجموعة لقاءات بين الأطراف السياسية والعسكرية الليبية في عدد من المدن من بينها بوزنيقة المغربية ومونترو السويسرية والقاهرة والغردقة المصريتين بات المناخ مواتيا للبعثة الأممية التي تقودها ستيفاني وليامز بالإنابة.. حيث عقدت عشرات اللقاءات بهدف تيسير اللقاء السياسي الضخم مهدت له بتنظيم اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 التي أعلنت عن توصلها لاتفاق دائم لوقف إطلاق النار وصولا إلى ترتيبات المنتدى السياسي الليبي الذي ستستضيفه تونس، كما نظمت عددا من الاجتماعات الافتراضية شملت النساء والشباب والشخصيات السياسية، واعتمدت في اختيارها لمنتدى الحوار السياسي على قائمة ب75 شخصية يمثلون مختلف الأطراف الليبية والهدف الوصول إلى صيغة توافقية تفضي إلى اختيار مجلس رئاسي مصغر برئيس ونائبين واختيار رئيس حكومة منفصل في مرحلة انتقالية جديدة محدودة المدة والأهداف للوصول إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية على قاعدة دستورية تنهي سنوات من الانقسام والمعاناة.