بين جمال الثائر وعبدالناصر الزعيم
الذكرى الثامنة والأربعين لوفاة الزعيم المصري جمال عبد الناصر تأخذ حيزا واهتماما خاصا لدى كثير من العرب
ثمانية وأربعون عاما مرت على وفاة الزعيم المصري “جمال عبد الناصر” ومازال من بين أحد أكثر الأسماء إثارة للجدل في مصر والوطن العربي، فلا تمر هذه الذكرى إلا وحملت معها مواقف متفاوتة ومختلفة عن بعضها بخصوص حياته سواءً كثائر أو زعيم
ولد جمال في مدينة الإسكندرية عام 1919 خلال وقوع مصر تحت الحماية البريطانية باسم “السلطنة المصرية” ولم يكن أحد يعلم أن هذا الطفل سيقود مصر نحو ثورة تنهي سلالة ملوك عائلة “محمد علي” وتعلن عن نفسها جمهورية مصرية عربية، يريد زعيمها توحيد الأمة كلها
حاول جمال عبد الناصر في عهده أن يقضي على الهيمنة ويعطي فرصة للشعب لاسترداد كرامته، فقد كان يعتبر ما يمر به الكثير من المصريين “عبودية” تمارس عليهم من الأقوياء والأثرياء، كما حاول تأميم الشركات الكبيرة والمهمة بعد امتناع البنك الدولي عن إعطائه قروضا، وقام ببناء منظومة صناعية جديدة ساهمت في زيادة الدخل للدولة، كما فتح أبواب التعليم المجاني وإعطاء فرص عمل للمواطنين، وأمر بتوزيع الأراضي الزائدة على صغار الفلاحين وبيعها لهم بالأقساط المريحة تصل مدة سدادها إلى ثلاثين عاما
لكن مسيرة عبدالناصر لم تكن كما خطط لها أبدا، فتوالت عليه الهزائم والنكبات والمآسي، فخسارة حرب 67 ومشاركته المثيرة للجدل في حرب اليمن وسوء علاقته مع حكومات عربية في أوقات متوترة وانشغاله بمشروع الوحدة والأحزاب والمعارضين والأعداء وإهماله للبيئة المصرية في التعليم والصحة والشوارع والعديد من المشاكل التي تنامت في عهده، إضافة إلى فساد الكثير من المسؤولين في إدارته وهيمنة مجموعة جديدة من الناس على الشركات والمصانع والأراضي والمؤسسات، وقمع المعارضة بكل أشكالها وتقييد الصحافة وحبس الصحافيين والفنانين المعارضين
وقد انقلب عبد الناصر على “محمد نجيب” أول رئيس جمهورية بعد الثورة، كما فتح الباب لعدد من الضباط الكبار ليدخلوا في السياسة ويتولوا مناصب مهمة في الدولة، وحاول تطبيق حلمه في جعل الأمة العربية كيانا واحدا، وبالرغم من تأثر عدد من الزعماء في ليبيا والسودان والجزائر واليمن به، لكنه فشل في تحقيق هذا الحلم أحيانا بسبب تدخله في السياسات الخاصة بالدول وأحيانا أخرى بسبب قرارات الارتجالية المثيرة للجدل
كان جمال الثائر على عكس عبد الناصر الزعيم، فجمال الذي شارك في مظاهرات في عمر صغير جدا تندد بالاستعمار الإنجليزي، وأصيب في إحدى تلك المظاهرات إصابة بالغة، وتأثر جمال بالنظام الاشتراكي والثورات ومشروع القومية العربية والمهووس بالمسرح والأدب، لكن عبد الناصر الزعيم كان صارما وقمعيا تجاه المظاهرات والمعارضة والصحافة، ولم يكن عبد الناصر يحب أي صوت يغرد خارج سرب مشروعه ولم يتوانى أبدا في سجنهم والتضييق عليهم، وجعلهم يختارون بين الولاء أو تحمل عواقب الرفض
إلا أن الزعيم المصري وبالرغم من كل هذه التناقضات، كان ومازال رمزا من رموز المنطقة، وواحد من الأسماء التي لم تفقد أهميتها ولا حضورها في القضايا الجديدة والقديمة، وكان دائما مادة إعلامية وأدبية واجتماعية يتم تناولها باستمرار، في ذكرى وفاته أو ميلاده، أو في ذكرى الحروب التي شارك فيها والحركات التي ترأسها أو دعمها أو قمعها، ويحضر اسمه في أي مقارنة بين نظام ونظام في مصر وعدد كبير في الدول العربية حتى هذه اللحظة