بن لادن/ بن ترامب: فكرتان لإرهاب واحد
سالم العوكلي
التعصب يبدأ من فكرة، ومهما طُرحت هذه الفكرة بلغة رشيقة أو دبلوماسية أو نوع من الاعتدال فإنها تشكل نواة للعنف، فكرة صغيرة تتظاهر بالبراءة في طفولتها، لكنها مثل القنبلة التي ستجد يوما من بربطها بفتيل. التعصب الديني أو القومي مهما تقنع بمفاهيم مثل الهوية أو العقيدة أو الوحدة فإنه يطمر فكرة العنف ، فرديا أو جماعيا، داخله، لأن معادلة الانفجار التسلسلي جزء من بنيته .
على مستوى الدين طُمِرتْ فكرة التعصب داخلنا، في إطارنا الاجتماعي، وفي مناهج تعليمنا، ومن فوق المنابر. وكراهية النصارى واليهود الضالين دُسّت في عقولنا، لم نتحول جميعا للتصرف وفق هذه المتفجرة الصغيرة في أدمغتنا لكن مستويات التعصب تتدرج في فضاء هذه الفكرة، من شخص مسالم يعتقد دون شك أن من ليس على دينه فهو عدو الله وفي النار، أو من قولنا آمين خلف شيخ يدعو على غير المسلمين بهلاك الزرع وجفاف الضرع وأن يجعل نساءهم وأموالهم غنيمة لنا، أو من لا يلقي السلام على جاره غير المسلم ، وصولا في النهاية إلى من يربط خصره بحزام ناسف ويفجر جسده وسط أناس يعتقد جازما أنهم أعداء الله وأنه ذاهب بهذا الفعل إلى الجنة مباشرة.
مثل هذه الشريحة مزروعة أيضا في أدمغة المتعصبين من الأديان الأخرى، مسيحيين ويهود وبوذيين وسيخ وغيرهم (لعل الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش والمشروع الصهيوني وما رافق انفصال الباكستان عن الهند من مجازر وما وما يحدث لمسلمي الروهينجا) ناتج عن تلك الشريحة العدوانية الصغيرة التي تزرع في أدمغة الأطفال، ومع الوقت يتحول السلوك الفردي إلى هيجان جماعي حين تداعب تشعل الخُطب البليغة والفتاوى فتيل هذه المتفجرة.
الخطاب اليميني الذي يجتاح العالم الآن بدعم قوي من فتاوى رئيس أقوى أمة فوق الأرض، ومريديه في كل القارات، يأتي من فكرة التعصب هذه التي تتطور وتتحور لدى البعض، من شخصية يمينية مثقفة تتحدث عن الهوية أو حق الانتماء القومي أو خطر الهجرة على الأمن القومي أو البطالة، مرورا بالجدران التي تبني بينها وبين الآخر المختلف، وصولا إلى شاب يقتحم المسجد ويقتل المصلين المسالمين فيه ، وفي أكثر الدول سلاما وتسامحا وتعايشا.
أسامة بن لادن هو رجل الأعمال ابن الملياريدر مالك العقارات محمد بن لادن ، والدته عالية الغانم من سوريا، درس في جامعة الملك عبد العزيز في جدة وتحصل على بكالوريوس في الاقتصاد، ونال شهادة في الهندسة المدنية عام 1979م ليتولي إدارة أعمال شركة بن لادن وتحمل بعضا من المسؤولية عن أبيه في إدارة الشركة، تزوج أسامة بن لادن للمرة الأولى في السابعة عشرة من عمره من قريبته السورية نجوى – أم عبد الله – وهي في سن السادسة عشرة من عمرها وأنجب منها معظم أولاده بينهم عمر في أوائل ثمانينيات القرن الماضي. وفي عام 1982م تزوج أم حمزة المنحدرة من أصول هاشمية وحاملة شهادة الدكتوراه في علم نفس الأطفال وقد أنجبت له طفلاً وحيداً، أما أم خالد الزوجة الثالثة ابنة المدينة المنورة فتحمل أيضاً شهادة دكتوراه في قواعد اللغة العربية وأنجبت منه أربعة أولاد. احتلت أم علي التي ترعرعت في مكة المرتبة الرابعة بين الزوجات إلا أنها الوحيدة التي طلقت من زعيم تنظيم القاعدة بعدما أنجبت ثلاثة أولاد وحينها أقسم أسامة ألا يتزوج إلا إذا طلبت إحدى زوجاته ذلك بنفسها. في ربيع عام 2000م تزوج أم حمزة أمل عبد الفتاح أحمد السادة وهي يمنية في السابعة عشرة من عمرها واستقدمها من اليمن إلى قندهار.
دونالد ترامب هو رجل الأعمال ابن الملياردير مالك العقارات فريد ترامب ، والدته ماري آن من سكتلندا ، درس في جامعة فوردهام لمدة عامين قبل أن ينتقل إلى كلية وارتون التابعة لجامعة بنسلفانيا التي حصل منها على بكالوريوس في الاقتصاد، ليولى إدارة أعمال شركة أبيه . في عام 1977، تزوج ترامب من إيفانا ترامب وأنجبا ثلاثة أطفال: دونالد الابن، وإيفانكا واريك. في عام 1992 انفصلا عن بعضهما. في عام 1993، تزوج مارلا مابلس وأنجبا طفلا واحدا، تيفاني، قبل أن ينفصلا. ليتزوج من السلوفانية ملانيا كناوس العام 2005، أنجبت صبيًّا يدعى بارون ويليام ترامب، وهو الطفل الخامس لترامب.
تبدو كل نقاط الالتقاء بين ترامب وبن لادن هنا عرضية ومن قبيل الصدفة، غير أن وجه التشابه الخطير بين بن لادن وترامب يظهر في فكرة التعصب والحض على الكراهية للآخر، يستخدم كلاهما مرجعيات دينية لدعم فكرته (يتلو ترامب نصوصا من العهد القديم ليثبت أن فلسطين لليهود فقط كمبرر لنقل سفارته إلى القدس) وكلاهما يسعى لبناء جدار حقيقي أو رمزي بين أمته والعالم الآخر، التعصب للعرق الأبيض لدى ترامب لا يعادله إلى التعصب للعرق الإسلامي السني عند بن لادن، الكره المشترك للمعسكر الشرقي أو لفكرة الاشتراكية، يدعم تنظيم القاعدة كل التوجهات الإسلامية المتطرفة في العالم ، ويدعم ترامب كل الأحزاب اليمينية العنصرية في العالم ويشد من أزرها. شعار بن لادن أن تعود أمة الإسلام قوية كما كانت، وشعار ترامب أن تعود أمريكا قوية كما كانت، يُقسِّم بن لادن العالم إلى فسطاط خير وفسطاط شر، ويُقسِّم ترامب العالم إلى محور خير ومحور شر.
الفارق الحضاري أن بن لادن ذهب إلى كهف في جبال تورا بورا ليرسل منه بياناته المصورة الحاثة على الكراهية التي تنشرها وسائل الإعلام، بينما ذهب ترامب إلى البيت الأبيض ليرسل يوميا تغريداته الحاثة على الكراهية .
يتحدر مَن فجروا سفارات نيروبي ودار السلام وبرجي التجارة، وتفجيرات لندن ، من فكرة التعصب الصغيرة التي ترعرعت في ظل المخابرات المركزية الأمريكية عند الشاب أسامة بن لادن كمحارب للمد الشيوعي، والذي قال عنه بريان فايفيلد شايلر في مقابلة مع جريدة (ذا سَنْ) البريطانية، وهو الذي درس أسامة بن لادن اللغة الإنجليزية في مدرسة الثغر بجدة خلال عامي 1968م و1969م:”إن أسامة كان تلميذاً هادئاً وخجولاً ولكنه غامض ولا استبعد أن نظام التعليم الغربي المتبع في مدرسة الثغر قد زرع لديه بذور العنف”.
ومن الفكرة نفسها التي يتبناها ترامب، يتحدر الأسترالي برينتون تارانت؛ الداعم لأيديولوجية اليمين المتطرف المتبني سياسة معاداة المهاجرين، مرتكب مذبحة دموية ضد المصلين خلال صلاة الجمعة في مسجدين بمدينة كرايست تشيرش بنيوزيلندا. وهو القاتل الذي أعلن في بيانه تأثره بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، باعتباره “رمزا لإعادة الاعتبار لهوية البيض”.وإنه استوحى هجومه من أندرس بيهرينغ بريفيك مرتكب هجمات النرويج عام 2011. وقال أيضًا إنه تأثر بكانديس أوينز، الناشطة الأمريكية المؤيدة بشدة للرئيس ترامب.
أما تنفيذ المذبحة بنفس أسلوب لعبة بوبجي إحدى ألعاب العنف التي تروج لها لوبيات السلاح، فهو شأن لا يقل خطورة تطرقت له في مقالات سابقة، حيث مثل هذه الألعاب تربي في الأطفال برودا تجاه فكرة قتل البشر، والسفاح الأسترالي نفذ مذبحته بتقنية مشابهة، وببرود شاب يلعب البوبجي.