بلطجية للإيجار !
• سابا إعتزاز
يبدو الأمر بالنسبة لزائر باكستان أشبه بقانون بلطجة، نظرا لوجود حالات إعدام خارج نطاق القانون واعتداءات متكررة على الأقليات الدينية مع عدم رصد حالات اعتقال أو سجن.
وأصبح استئجار بلطجية أيضا عملا منظما في البلاد، إذ يعمد منظمو البلطجية إلى تقديم أي خدمة عامة أو أي شئ متاح لمن يدفع السعر المناسب.
يجلس رجل عجوز أحمر الشعر يدعى خواجة على سرير متهالك ويتحدث إلى مجموعة من الناس شاردي الفكر.
إنهم رجال من المنطقة، كثير منهم يرتدي طاقية رأس وملتحين.
استطاع الرجل، الذي يملك هاتفا محمولا وسجلا أسود اللون لأرقام هواتف، جمع أكثر من 12 شخصا في أقل من دقيقة واحدة.
وقال الرجل ساخرا: "استدعاء بلطجية – يا له من عمل صعب؟ اتصال واحد يأتي على إثره مئة شخص بإمكانهم إلقاء الحجارة لإنهاء الأمر تماما، وإن لم يجد ذلك ، فقد يتكلف الأمر شراء 10 لترات بنزين لإشعال النار في الشئ المراد".
قبل أشهر نظم خواجة مظاهرة بالبلطجية أغلقوا السكك الحديد حتى أجبروا السلطات على قبول طلباتهم.
فالمظاهرة التي كانت أشبه باحتجاج شعبي على نقص البنزين نظمها شخص واحد يتمتع بنفوذ. وفي ظل بلد لا يجد فيها الكثير من الناس ضروريات الحياة، يظل هناك قوة في العدد وفي رجال أمثال خواجة يزعمون أنهم يملكون السلطة.
وقال خواجة : "عندما يتقاعس مسؤولو الحكومة عن تقديم الاحتياجات الشرعية للمواطنين، حينئذ يأتون لي لإيجاد حل . لقد أصبح الناس في منطقتي أكثر ثقة بي من الحكومة."
وأضاف أن الدين عادة ما يستخدم في الدعوة إلى التجمع وإلهاب مشاعر المواطنين المتعصبين دينيا في البلاد.
ويحتوي مجمع خواجة على المسجد الوحيد في المنطقة وهو نفسه يختار إمام الصلاة.
"فشل الشرطة"
ويصر خواجة على أنه يستخدم نفوذه الديني واتصالاته ونفوذه السياسي من أجل تحقيق الخير لمجتمعه، لكنه يعترف بأن آخرين يستغلون البلطجة من أجل تحقيق أغراض خاصة.
ويفسر ذلك قائلا : "لا يستغرق الأمر وقتا طويلا لجمع المئات في مواجهة شخص ما ربما تربطك به عداوة شخصية. فإن كانوا من أقلية دينية، ما عليك إلا أن تقول إنهم يجهرون بالتجديف أو حرقوا القرآن، وسوف يتبعك الجميع، ولن يتحقق أحد من صدق حديثك."
اعتدى العام الماضي مجموعة من البلطجية الغاضبين على منازل أناس من أتباع الطريقة الأحمدية الدينية، ليست بعيدة عن منطقة خواجة.
وقال سكان محليون إن الاعتداء بدأ كمشاجرة على لعبة الكريكيت، لكن الأمور تطورت بعد اتهام طفل صغير يدعى أحمدي بالتجديف الديني وهي جريمة يعاقب عليها القانون الباكستاني بالإعدام.
لكن الأمر لم يصل إلى حد الإحالة للمحكمة بعد أن أحرق المئات أكثر من 12 منزلا في المنطقة على سبيل الثأر. كما أحرقوا ثلاث فتيات صغيرات وجدتهم حتى الموت بعد أن فشلت الشرطة في السيطرة على أعمال العنف. وباتت المنازل المحترقة مهجورة، كما خاف الناجون من العودة إلى منازلهم.
وأصبحت أعمال العنف التي ينظمها البلطجية شكلا من الأشكال المألوفة للاضطهاد، لاسيما ضد الأقليات الدينية في باكستان.
"الدفع نقدا فقط"
وصلنا أحد هذه الأوكار الإجرامية الكثيرة التي تزعم "تأجير البلطجية" بغرض التحريض والمشاركة في أعمال العنف.
دخلنا إلى مجمع في مشارف المدينة يقف بعض الرجال مفتولوا العضلات يتناولون الإفطار، في حين ينظف آخرون بنادق الكلاشينكوف.
ويحيط مسلحون بزعيم الجماعة أو ما يطلقون عليه "رئيس البلطجية" وهو يبرم صفقة على هاتفه المحمول باهظ الثمن.
وسمعته يقول على الهاتف: "الدفع نقدا فقط. نأخذ الأموال لترتيب الرجال والسيارات والأسلحة المطلوبة."
وقال لي إن عملاءه يحتاجون إلى خدماته أكثر في تسوية النزاعات الشخصية أو الاستحواذ على أرض، لكن من السهل إصباغ طابع ديني لكسب دعم شعبي والضغط على الشرطة.
وأضاف : "تستأجرنا منظمات متشددة دينيا للقيام بمهام عديدة، فإن أرادوا تقويم شخص ما أو أرسال رسالة، فبإمكاننا أن نجد من يقومون بهذا العمل. يستخدم رجالنا في الاحتجاجات السياسية أو للحشد لاجتماعات سياسية، أينما كانت الحاجة."
وثمة حظر مفروض على الكثير من المنظمات الإسلامية المتشددة في البنجاب كجزء من جهود الحكومة الرامية إلى قمع الإرهاب والتشدد، لكن رئيس البلطجية يقول إنه من السهل العمل من وراء الكواليس، من خلال استئجار مرتزقة مثله لا علاقة لهم بأحد ولا تربطهم أي انتماءات مباشرة بأي جهة.
ومثلها مثل أي عمل مهني، لدى رئيس البلطجية قائمة بالخدمات والأسعار التي تزداد بزيادة حدة أعمال العنف المطلوبة.
وقال : " الحرق والإعدام خارج نطاق القانون يتكلف أكثر، وعلينا أن ندفع للجميع تجنبا للمشاكل."
ويعترف مأمور الشرطة سهيل سوخيرا بأن مثل هذه القنوات الخلفية للبلطجية المحليين موجودة. كما أن هؤلاء البلطجية يكون لديهم عادة دعم سياسي قوي ونفوذ أقوى من السلطات.
وقال : "ما نراه هو نظام مواز للحكومة. والشرطة عادة تقف عاجزة، لأنه لا تتوافر لدينا الحماية الكافية لاعتقال هؤلاء البلطجية".
وأضاف : "عندما نحاول منعهم بالوسائل اللازمة، ترفع قضايا ضد رجال الشرطة أنفسهم. فلماذا يغامر رجل الشرطة بحياته ومواجهة خطر من الآخرين، إن لم يكن لديه أي دعم؟"
ويعتقد خبراء علم النفس أن الاضطرابات الاجتماعية تزداد أمام تراجع التسامح في بلد يتعامل مع آثار عقود من الإرهاب والتشدد الديني المتنامي.
ومع تآكل الثقة العامة في قدرة الحكومة لمواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المتفشية، تظهر مشاعر الاحباط والغضب. وتسخير هذا الغضب لخدمة دوافع خفية يستغل كنشاط أعمال كبير من الآخرين
.بي بي سي