بغداد وطرابلس.. بعد جغرافي وتجربة مماثلة (7)
حيدر حسين علي
من ركام بغداد ودروسها وعبرها عسى أن تنهض طرابلس وتتعض، نعم فما تمر به ليبيا من سيناريو مشابه للسيناريو الذي مر ولا يزال يمر به العراق، فالليبيون في نفق مظلم مجاور لنفق نظرائهم العراقيين رغم بعد المسافة الجغرافية بين البلدين إذ لم يكن كلا السيناريوهين متطابقين بالمرة.
ونستمر في هذه الحلقات البسيطة غير الغزيرة بالإحصائيات أو التواريخ المعقدة على القارئ والمعتمدة على الذاكرة، ونقارن بين الحالتين ونقترح الحلول التي كان يجب أن تقدم للحيلولة دون تفاقم الأوضاع.
الحلقة السابعة
لا صحة في ليبيا والعراق
مما لا شك فيه أن قطاعي الصحة في ليبيا والعراق يعانيان من ذات السموم الموروثة عن الحقب السابقة والمرتبطة بنمط تفكير منظومة الحكم التي حكمت ولا زالت تحكم البلدين والتي تتعامل مع الإنسان بطريقة مغايرة لتفكير منظومة الحكم المتطورة.
فالإنسان في ليبيا والعراق لا يمثل قيمة عليا يجب الحفاظ عليها بأي شكل من الأشكال بل هو قيمة دنيا ولا ضير في فقدان الملايين منه وهو الأمر الذي يراه الشعبان الليبي والعراقي ماثلا أمامهما من خلال قطاع الصحة خط الدفاع الأول عن الإنسان والضامن لديمومته.
وفي ليبيا والعراق توجد مؤسسات صحية متهالكة ومخططات لمشاريع مستشفيات عملاقة تبقى حبيسة الأدراج وإن تم تنفيذها فلن تقدم المأمول منها من خدمات طبية لائقة بالإنسان الليبي أو العراقي الذي يموت في اليوم ألف مرة بسبب آلامه الناجمة عن نقص العلاج والدواء.
ولعل الترياق الشافي لهذه السموم يتمثل في إعادة تنظيم تفكير منظومة الحكم في هذين البلدين ومن ثم الانتقال بعد ذلك إلى إعادة هيكلة النظام الصحي بشكل عام وعلى 3 مسارات أولها آني وثانيهما متوسط الأمد يمتد لعام واحد وآخرها طويل الأمد ويمتد على مدى 5 أعوام على أن يتم تأطير هذه المسارات في إطار عمل مجلس أعلى للصحة يضم خبراء محليين ومن جنسيات أخرى في حال اقتضت الحاجة ويعمل على رسم سياسة عامة لتنفيذ المسارات الـ3.
ويتمثل المسار الأول في إعداد قائمة مفصلة وخلال شهر واحد على أقصى تقدير بكافة المؤسسات والمشافي والمستشفيات والمستوصفات في كافة المدن والقرى والمناطق مع إحصاءات مفصلة بعدد سكان كل منطقة ومدينة وقرية وفئاتهم من كبار السن والشباب والنساء والأطفال والمصابين بأمراض مزمنة وبشكل تفصيلي.
ويتم بعد ذلك دراسة حاجة كل منطقة وهل هي مستوصف بسيط أم مستشفى كبير والقيام بوضع الاستعدادات اللازمة لنقل المرضى إلى أقرب مستشفى كبير في حال عدم الحاجة الماسة إليه والاكتفاء بمستوصف من خلال تجهيز سيارات إسعاف مجهزة بمنظومة كاملة لإدامة الحياة حتى الوصول للمستشفى مع شق وتعبيد الطرق الموصلة إلى المستشفيات فضلا عن تحديد ماهية الأقسام المطلوبة والاحتياجات اللازمة ومقارنتها مع ما موجود على أرض الواقع.
فإن كانت متوفرة فيتم البناء عليها وتطويرها وإن لم تكن يصار إلى نصب وحدات معالجة متحركة وبديلة وبشكل سريع في قطع الأراضي المجاورة لهذه المؤسسات وتضم كافة ما يمكنها من ملاكات بشرية وأجهزة ومعدات لتمكنيها من تقديم المطلوب منها إلى حين توفير هذه الإمكانات في المؤسسات الأصيلة.
ويتم بعد ذلك الانتقال إلى الخطة متوسطة الأمد والتي تتضمن إعادة تأهيل كافة الملاكات الطبية والطبية المساعدة في المؤسسات الصحية من خلال إرسالها وبالتناوب لضمان عدم توقف العمل إلى أرقى الدول في مجالات اختصاصاتها وتوفير برامج ترفيهية وسياحية لها لترسيخ مبدأ الولاء لعملها وهو العامل الأبرز المفقود في نفوسها والذي قاد إلى رداءة الخدمة التي تقدمها للمواطنين.
وبالانتقال إلى المسار الثالث والمتمثل بوضع خطة خمسية تتضمن إنشاء مستشفيات عملاقة ومستوصفات تحل محل المتهالكة ويتم تجهيزها وبناؤها بشكل يضمن توسعها تصاعديا بالتناسب مع الزيادة السكانية وبعمر افتراضي معقول يصار قبل سنوات من انتهائه إلى إنشاء مستشفيات أخرى بديلة وهكذا يمضي الحال مع الخطط الخمسية اللاحقة وهو الأمر الذي سيقود في النهاية إلى معالجة أزمة قطاع الصحة بشكل جذري.
وفي الختام يتم توفير امتيازات مالية ومعنوية للعاملين في هذا القطاع تعيد لهم الثقة بأنفسهم مع تفعيل مبدأ العقاب والثواب لضمان التزامهم بتقديم أفضل الخدمات للمواطنين ومن بين هذه الامتيازات رحلات ترفيه سياحية سنوية مجانية ودورات تأهيلية ورواتب تتناسب مع أسعار السوق.
وبالتأكيد إننا في هذه الحلقة لم نتطرق إلى التفصيلات الدقيقة والإجراءات والتشريعات والقوانين المنظمة التي سيتم في ضوئها تنفيذ كل ما تقدم رغبة منا في ترك المجال أمام المختصين في المجالات الصحية ليمارسوا عملهم في هذا الإطار.
وفي الحلقة المقبلة سنتطرق إلى سبل النهوض بالواقع الزراعي في ليبيا والعراق.