بغداد وطرابلس.. بعد جغرافي وتجربة مماثلة (5)
حيدر حسين علي
من ركام بغداد ودروسها وعبرها عسى أن تنهض طرابلس وتتعض، نعم فما تمر به ليبيا من سيناريو مشابه للسيناريو الذي مر ولا زال يمر به العراق فالليبيون في نفق مظلم مجاور لنفق نظرائهم العراقيين رغم بعد المسافة الجغرافية بين البلدين إذ لم يكن كلا السيناريوهين متطابقين بالمرة.
ونستمر في هذه الحلقات البسيطة غير الغزيرة بالإحصائيات أو التواريخ المعقدة على القارئ والمعتمدة على الذاكرة، ونقارن بين الحالتين ونقترح الحلول التي كان يجب أن تقدم للحيلولة دون تفاقم الأوضاع.
الحلقة الخامسة
لا بنى تحتية في العراق وليبيا
وعلى الجانب الإنساني تُمثّل البنى التحتية الأساسية حقا من حقوق أي مواطن في بلده إلا أن الأمر لا يبدو كذلك في ليبيا ومن قبلها العراق. فالبنى التحتية منهارة إلى الحد الذي يمكن فيه القول فعلا إنه لا يوجد بنى تحتية في كلا البلدين القابعين تحت رحمة ظروف مماثلة تقريبا.
ولعلنا جميعا شاهدنا ما مرت به ليبيا من غرق للمدن والأراضي الزراعية في مواسم الأمطار الغزيرة والثلوج، وهو ذات الحال الذي يمر به العراق منذ العام 2003 الذي لم يمتلك القائمون على أمر ليبيا والعراق الإرادة السياسية والرغبة في معالجته.
ولم يقتصر الحال على غرق المدن بسبب غياب أو انهيار شبكات تصريف مياه الأمطار والسيول بل امتد ليشمل طفح المجاري الخفيفة والثقيلة في الأحياء السكنية بسبب رداءة نظام الصرف الصحي بشقيه الخفيف والثقيل، وهو ما قاد إلى ظهور الأمراض وتفشيها بين سكان هذه الأحياء في المدن العراقية والليبية.
ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد فالطرق الرديئة هي الأخرى تتسبب بالعديد من الحوادث المرورية التي يذهب ضحيتها الآلاف من الأبرياء، فضلا عن رداءة شبكات المياه الصالحة للشرب التي إن توافرت ووصلت إلى منازل السكان فإنها ستكون ملوثة وغير معقمة بشكل كافٍ وهو ما يحمل الناس على شراء المياه لاستخدامها في الشرب والطبخ.
أما الكهرباء فهي الأخرى ليست في حال جيد في كلا البلدين شأنها شأن خدمات الإنترنت والهواتف الأرضية الثابتة وحتى الهواتف النقالة التي تتأثر خدماتها أحيانا بسبب رداءة المعدات، فضلا عما تسببه من أمراض سرطانية بين الناس المجاورين لأبراجها.
وكما تعوّدنا في الحلقات السابقة لن نكتفي بعرض الإشكاليات بل سنقدم خطة متكاملة للمعالجة بعد أن نحدد السبب الرئيسي لكل هذا الانهيار في البنية التحتية في كافة مفاصلها، وهو غياب التخطيط والضابط المانع لإنشاء الأحياء السكنية التي باتت تتوسع من دون تخطيط علمي أو يتم افتتاح البعض منها بشكل عشوائي من دون بنية تحتية أصلا.
وللتوضيح أكثر فإن البنية التحتية التي تم إنشاؤها مثلا في العام 1980 لأحد الأحياء السكنية تستوعب 200 ألف نسمة فقط ليتسبب الانشطار الأسري وإقامة الآباء المنازل فوق بعضها البعض لأبنائهم للتزاوج في زيادة سكان هذا الحي إلى 500 ألف نسمة وهنا يحصل الانهيار لأن شبكات المجاري والصرف الصحي والكهرباء والمياه الصالحة للشرب والطرق والاتصالات مصممة لاستيعاب 200 ألف نسمة فقط لا 500 ألف لتنهار بذلك البنى التحتية رويدا رويدا حتى تضمحل وتتلاشى.
والجانب الآخر هو الأحياء العشوائية التي قد تنتج عن 3 عوامل أولها تحويل جنس الأراضي الزراعية إلى سكنية وثانيها توزيع قطع الأراضي السكنية بشكل غير علمي أو مدروس وثالثها التجاوزات على الأراضي والبناء العشوائي، وكلها عوامل تقود إلى بروز مساكن من دون بنى تحتية ما يتسبب في تجاوزات على البنى التحتية للأحياء المجاورة وانهيارها بالنتيجة أيضا.
وبعد تقديمنا للمشكلة والأسباب أتى دور الحلول الآنية والمتوسطة والبعيدة الأمد، والأولى تتم خلال 72 ساعة فقط من خلال الإيعاز فورا بتشكيل المجلس الأعلى لإصلاح البنى التحتية والتطوير العمراني ومنحه صلاحيات واسعة بخلاف الضوابط والقوانين والدستور بعد أن يتم تسمية أعضائه من خيرة الخبراء العراقيين والليبيين والعرب والأجانب وتمكينهم من وضع الخطط العاجلة والصرف المالي المفتوح.
يعمل المجلس فور تشكيله على حصر الأحياء السكنية النظامية والعشوائية والطرق الرئيسية والمناطق التجارية المأهولة فورا، واستطلاع حال البنية التحتية فيها وهل هي مناسبة للحجم البشري فيها أم أنها -وهو المتوقع على الأغلب- متهالكة ومنهارة أو معدومة أصلا؟
ويتم حصر الأراضي الشاسعة خارج المدن والأحياء السكنية وتمكين المجلس من وضع اليد عليها فورا من خلال الاستئجار إن كانت لمواطنين أو الاستعارة إن كانت للدولة، والبدء فورا بإنشاء أحياء مؤقتة من الكرفانات تتضمن مساكن كرفانية ومدارس مؤقتة ومستوصفات صحية وأسواق.
ويتم التنسيق مع وزارة النقل والقطاع الخاص لتهيئة حافلات وشاحنات لنقل سكان الأحياء بكامل عددهم إلى هذه الأحياء الكرفانية المؤقتة للسكن فيها بشكل مؤقت فضلا عن نقلهم من وإلى محلات عملهم.
يتم البدء بإزالة مساكنهم من الوجود مع البنية التحتية في الأحياء وإعادة تصميمها من جديد بشكل يستوعب الزيادة السكانية بتقادم الزمن من خلال جعل البنية التحتية للحي الواحد الذي يستوعب 200 ألف نسمة قابلة لاستيعاب مليوني نسمة بعد مرور 20 عاما على أن يتم التوجه نحو البناء العمودي وتزويد الأحياء السكنية الكاملة بشبكات مكتملة للكهرباء والمياه الصالحة للشرب والاتصالات والطرق والصرف الصحي.
وبمرور 5 أعوام تقريبا ستكتمل الخطة ويتم نقل السكان من الحي المؤقت للحي الجديد واستبدالهم بآخرين من الحي الآخر وهكذا حتى تنهض الأحياء السكنية من جديد ببنية تحتية على أحدث الطرز العالمية شريطة عدم الاستعانة بالشركات المحلية والاستعاضة بالشركات العالمية لتورط أغلب الشركات المحلية بالفساد المالي.
وذات الحال ينطبق على الطرق والحدائق العامة والمباني الحكومية والشركات والمعامل حتى تتحول المدن إلى طراز عالمي يضاهي العواصم المتقدمة.
وقد يقول البعض إن هذه الخطة خيالية ولا يمكن أن يتم تطبيقها على أرض الواقع ونقول إنها عملية جدا شرط توافر الشرفاء في العراق وليبيا لتطبيقها لاسيما أن البلدين يملكان موارد مالية ضخمة تمكنهما من تطبيق هذه الخطة.
وفي الحلقة القادمة سنستعرض أزمة البطالة والفقر والتضخم وارتفاع الأسعار وعدم تناسبها مع الأجور في القطاعين العام والخاص والحلول الممكنة لمعالجة هذه الأمور.