بغداد وطرابلس.. بعد جغرافي وتجربة مماثلة (3)
حيدر حسين علي
من ركام بغداد ودروسها وعبرها عسى أن تنهض طرابلس وتتعظ، نعم فما تمر به ليبيا من سيناريو مشابه للسيناريو الذي مر وما زال يمر به العراق فالليبيون في نفق مظلم مجاور لنفق نظرائهم العراقيين رغم بعد المسافة الجغرافية بين البلدين إذا لم يكن كلا السيناريوين متطابقين تماماً.
ونستمر في هذه الحلقات البسيطة غير الغزيرة بالإحصائيات أو التواريخ المعقدة على القارئ والمعتمدة على الذاكرة ونقارن بين الحالتين ونقترح الحلول التي كان يجب أن تقدم للحيلولة دون تفاقم الأوضاع.
الحلقة الثالثة
ليبيا والعراق سقوط في ذات الفخ
على الجانب الاجتماعي لم تستفد ليبيا من التجربة العراقية بشيء فرغم أن المجتمع العراقي مجتمع تحكمه الأعراف القبلية شأنها شأن المجتمع الليبي وأي مجتمع عربي محافظ إلا أن قوة الدولة العراقية بعد التغيير -وإن كانت هشة في مناسبات أمنية عدة- كانت أفضل من نظيرتها الليبية التي لم تعد تحكمها بعد ثورة فبراير الأعراف القبلية فقط، بل امتدت -للأسف- لأعراف جديدة فرضتها الظروف الجديدة، وهي أعراف قائد المجموعة المسلحة الفلانية التي يفرضها على منطقة نفوذه، وقائد المجموعة “العلّانية” الذي له أعراف مغايرة يفرضها هو الآخر على منطقة نفوذه، حتى وصل الحال في المدن الليبية باستثناء تلك الخاضعة لسلطة مجلس النواب والحكومة المؤقتة والقيادة العامة للجيش الوطني إلى أن تكون بمثابة دول صغيرة داخل الدولة وحتى دولة في كل حي تسيطر عليه جماعة مسلحة تختلف مع الجماعة المسلحة الأخرى في الحي الآخر.
وللأسف لم يتعظ الليبيون من درس الفتنة المقيتة التي زرعتها قوى الشر بين أبناء الشعب العراقي الواحد، الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة التي دفع العراقيون دماءهم ثمنا غاليا لها، حتى سارع الليبيون للانجرار إلى فخ الهلاك المتمثل بالمناطقية فهذا شرقاوي أي من الشرق وهذا غرباوي أي من الغرب وهذا جنوبي تابع للغرب وهذا من تيار المفتي المعزول الصادق الغرياني وآخر من تيار الإخوان وغيرهم وغيرهم ليسقطوا للأسف ضحية للعبة قذرة تلعبها قوى دولية وإقليمية لا تريد لأحفاد أسد الصحراء عمر المختار أن ينهضوا للاستفادة من ثرواتهم الطبيعية الهائلة المتمثلة بالنفط والغاز.
وبذلك فإن على الليبيين إن أرادوا الخروج من الفخ أن يحذوا حذو نظرائهم العراقيين من خلال القيام بحملات على كافة المستويات الإعلانية والترويجية والإعلامية ومستوى منظمات المجتمع المدني وتحشيد الجهد الحكومي لتوحيد الصفوف بعيدا عن المؤتمرات وورش العمل التي يتم إنفاق الأموال عليها من دون طائل، لتكون حملات وسائل الإعلام والإعلان والترويج هادفة إلى تعزيز روح الأخوة ليعلم الجميع أن المرض الذي يصيب بنغازي تتداعى له طرابلس وسبها والجفرة وباقي المدن بالسهر والحمى.
ولعل الجميع يتذكر الإعلان الترويجي الرائع الذي أنتجه التلفزيون الرسمي العراقي الذي يظهر فيه أسدان يتصارعان على شرب الماء من النهر ومن ثم يظهران مرة أخرى وهما يشربان الماء سوية بمنتهى الود والحب، فعلى وسائل الإعلام الليبية إذا الرسمية وغير الرسمية الانفتاح على التجربة العراقية في مجالات الإعلام والإعلان والترويج، فضلا عن المجالات السياسية والأمنية كما ذكرنا في الحلقتين الأولى والثانية بهدف الاستفادة منها وعدم الاستعانة بتجارب دول غربية أخرى يختلف وعيها ومزاجها عن المزاج العربي الصعب.
في الحلقات المقبلة سيتم التطرق إلى تجربة القطاعات الخدمية العراقية وما يصلح منها لنقله إلى ليبيا وما لم يتم اتباعه في العراق لتستفيد منه ليبيا.