بعد 10 سنوات من الصراع.. هل الهوية الليبية في خطر؟
218| خلود الفلاح
هل الهوية الليبية في خطر جراء الحروب والانقسامات؟.. وهل يمكن أن يكون للمصالح الشخصية الضيقة تأثيرها في نشوء صراع بين المكونات الاجتماعية من عرب وطوارق وتبو وأمازيغ؟.. وهل ما يحدث من حروب اليوم ساهمت بشكل أو بآخر في حدوث شروخ في النسيج الاجتماعي الليبي؟.. في خضم كل ذلك، كيف يمكن حماية هذه الهوية في ظل الخلافات الليبية المستمرة؟
إطلاق مشروع مصالحة وطنية
بدأ أستاذ العلوم السياسية بجامعة سرت، عبد العزيز عقيلة، حديثه، بالإشارة إلى أن الانقسامات والصراعات التي تعني منها الأمة الليبية بعد سقوط النظام السابق، كانت سببًا رئيسًا في بروز أزمة هوية بين الليبيين بمختلف مكوّناتهم العرقية، والقبلية، والجهوية، والسياسية، وكل يوم سوف تزداد خطورتها على الهوية الوطنية، إذا لم تتم معالجة المسببات، وقد تقود إلى تفتيت الأمة الليبية في حال توفرت لها عوامل خارجية.
واستطرد قائلاً : “قبل الخوض في الأسباب التي أدت إلى هذه الانقسامات والحروب، وكيف أثرت، ومازالت تشكل خطرًا مباشرًا على الهوية الوطنية الليبية؛ يجب توضيح أن الهوية الوطنية هي الكيان الكبير الذي يحمل كل مكونات المجتمع بمختلف عرقياتهم وإثنياتهم وانتماءاتهم، ومذاهبهم، دون إقصاء أحد منهم، وتعتبر الهوية الوطنية أساس بناء الدولة الوطنية التي ترتكز على المساواة في المواطنة، دون تمييز إثني، أو عرقي، أو جهوي، أو قبلي، أو مذهبي”.
وتحدث عبد العزيز عقيلة عن النخب السياسية الحاكمة، من المجلس الانتقالي، إلى المؤتمر الوطني، والحكومات المتتالية ودورها في أزمة الهوية الوطنية وذلك من خلال فشلهم في إدارة المرحلة الانتقالية، التي هدفها الأساسي بناء الدولة الجديدة على أساس العدالة والمساواة، من خلال عملية سياسية، للأسف تجاهلت أهم مقومات بناء الدولة الوطنية، وهو دعم وتعزيز الهوية الوطنية، من خلال مشروع مصالحة يستهدف كل مكونات المجتمع الليبي، يحتوي الجميع ويُعالج نقاط الضعف في المجتمع، وكذلك الحوار بين المكونات الثقافية من عرب وأمازيغ، وتبو، وطوارق، وضمان حقوقهم، وحل الخلافات بين القبائل، وصولاً إلى حوار مجتمعي يذيب كل الفوارق، ويزيل كل الهواجس والمخاوف، وما ينتج عن ذلك من عقد اجتماعي متمثل في دستور يصون الحقوق، وضمان للمواطنة المتساوية، بين كل الليبيين بمختلف انتماءاتهم، وصولاً إلى نظام سياسي مستقر.
وعلى نحو آخر ، يتابع عبد العزيز عقيلة ، فإن جهل هذه النخب الحاكمة، لبناء الهوية الوطنية كخطوة أولى في طريق الدولة، أدي إلى بروز صراعات وانقسامات تستهدف عناصر الهوية الوطنية الليبية، منها عرقية بين العرب والأمازيغ والتبو والطوارق، في مسألة الحقوق، وكذلك بين المناطق على النفوذ داخل السلطة، واقتتال بين القبائل على تولي المناصب الحكومية، وطالت هذه الصراعات والانقسامات المؤسسات الدينية التي تعتبر عنصرًا مكونًا مهمًا للهوية الوطنية، وتطور هذا الصراع إلى حروب مسلحة. ولم ينجو النشيد والراية الوطنية ومؤسسات الدولة السيادية من هذه الصراعات الضيقة.
وفي ختام حديثه، أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة سرت، عبد العزيز عقيلة، على ضرورة إطلاق مشروع مصالحة وطنية يدعم الهوية الوطنية.
الهوية الليبية أقوى من الصراع
ويرى الباحث في التاريخ والآثار عبد الحكيم عامر الطويل أن هويتنا الوطنية أعمق من أن يؤثر فيها صراع سياسي أو عسكري، لأنها تأسست على أُسس ليس من السهل زوالها بسبب الحروب. ويلفت: الهوية الوطنية الليبية صنعها المصير السياسي والاقتصادي المشترك منذ نشوء الحدود الليبية الحالية (وبالتالي المجتمع الليبي) منذ أكثر من 510 سنوات متتالية لم تنقطع للحظة.
وأضاف: باستثناء التيارات الإسلامية الدخيلة الطارئة مؤخرًا، وبخلاف العديد من الشعوب العربية والإسلامية الأخرى؛ فإن ما يجمع كل الليبيين هو دين واحد ومذهبيْن على الأكثر في كل هذه المساحة ما بين مصر والسودان وتونس والجزائر وتشاد والنيجر، بالإضافة إلى أن عِلم اللغات يعتبر في خرائطه اللهجة الليبية، إحدى لهجات اللغة العربية، لا تسود كل التراب الليبي الحالي فقط وإنما تمتد حتى تضم كلاً من غرب مصر وشمال تشاد والنيجر وشرق الجزائر وجنوب تونس.
وتحدث عبد الحكيم الطويل، عن أن الحياة المتواصلة لأكثر من نصف ألفية في هذه الأرض الممتدة بلا أي عوائق طبيعية بين مصر والسودان وتونس والجزائر وتشاد والنيجر؛ أدت إلى تمازج مُوَرِّثات كل أصول البشر التي عاشت فيها بشكل يومي مستمر.
ويضيف: “رغم أننا مجتمع قبلي يضم أصول متوسطية عدة؛ إلا أن المصير السياسي الواحد دمج كل مورثاتهم وأزيائهم ومطبخهم وعاداتهم حتى أصبحت العلاقات بين الشرق الليبي وغربه وجنوبه ليست علاقات فيدرالية أو سياسية أو إيديولوجية دينية بقدر ما هي علاقات عائلية، فتجد أن مناسبة عائلية ما في الشرق ينتقل إليها جمع من أهل الغرب للمشاركة فيها، وكم من مناسبات سعيدة أو حزينة يومية في العاصمة طرابلس ليشارك فيها جموع من الأهل في الجنوب. ولا أظن أن تَحَمُّل أُناس عاديين لمشاق سفر مئات الكيلومترات من الشرق إلى الغرب إلى الجنوب على حسابهم الشخصي إلا دليل على أن العلاقات بين الشرق والغرب والجنوب هي أكبر بكثير من مؤامرات السياسة وأطماع الاقتصاد”.
الهوية الفرعية أساس الصراع
من جانبه، قال المتابع للشأن العام رمزي الجدي: بمجرد انتهاء نظام القذافي سقطت “الهوية القذافية” التي كانت تجمع الليبيين مما سبب صعود الهويات الفرعية وتم استغلالها من قبل بعض النخب لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية شخصية وفئوية. فعملوا على تأجيج الإثنيات والأعراق لحشد الدعم الشعبي لأهدافهم الشخصية. وبالتالي تضرر التماسك المجتمعي، وعملت منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام على تعزيز هذا الاستقطاب، الذي عزّز، بدوره، من قوة هذه المجموعات ذات المصالح الشخصية.
أكد رمزي الجدي، على ضرورة الانتباه إلى أن الاشكالية الأساسية في نمو الهوية الفرعية هي تحولها إلى هوية سياسية واقتصادية وليس اجتماعية، فعندما تكون الهوية الفرعية هي أساس العمل السياسي لفئة من المواطنين، تتحول هذه الفئة إلى العمل من داخل الدولة على تقويض أسس المواطنة.
ويرى رمزي الجدي، أن العناصر الثقافية للمناطق والأعراق والإثنيات والقبائل الليبية، لا يمكنها أن تشكل هوية ثقافية معزولة عن الهوية الثقافية للشعب الليبي ككل، فالهوية الليبية الجامعة هي ذلك التركيب التاريخي المنصهِر في العروبة، والإسلام، والأمازيغية والتباوية والتارقية والشركسية، والقريتلية، والكوارغلية وغيرهم. وهي تلك الحضارات الليبية القديمة التي امتد تأثيرها الحضاري إلى أفريقيا ولم تنقرض واستمرت أدواتها كاللغة والثقافة إلى يومنا هذا.
وفي ختام حديثه، أوضح رمزي الجدي، أن الهوية الليبية هي ملايين القوافل عبر التاريخ بين الشمال والصحراء الكبرى من جهة، ومن مراكش إلى الحجاز من جهة أخرى، بما تركته من إرث متنوع للثقافات العربية والإسلامية والأفريقية والذي يعتبر الخزان التاريخي الحضاري للكيان السياسي الثقافي الاجتماعي المُسَمى “ليبيا”، ومن خلاله يجب أن تتشكل مكوّنات الهوية الوطنية للشعب الليبي.