بعد هجوم الفقهاء.. هل يتحد الفرقاء؟
خاص 218
في الوقت الذي يترقّب فيه الليبيون مساعي المجتمع الدولي؛ لحلحلة الشقاق والخلاف الدائر بين الأخوة الفرقاء في ليبيا، على الصعيدين السياسي والعسكري، شقاق طال أمده، فتح الباب على مصراعيه أمام كلّ متطرف يبحث عن أرض خصبة يمارس فيها تطرفه دون حسيب أو رقيب، حتى باتت ليبيا مرتعاً لعناصر الإرهاب الفارّين من هنا وهناك، والساعين لتأسيس دولتهم المزعومة “دولة الخلافة”.
مدّ وجزر لسرطان مميت أصاب ليبيا، ما إن يُقطَعَ دابِرُه في مكان حتّى يظهرَ في آخر خلال وقت قصير، معلناً عن نفسه، مجاهراً بعدائه، متحدّياً جميع من زعموا بأنّهم حماة الأرض والعرض، واعياً حقيقَتهم المهينة، وواقعهم الواهن نتيجة الشقاق فيما بينهم، لا لشيء إلّا رغبة كلّ منهم بالانفراد بالسلطة والنفود.
بعد القضاء على وجوده في سرت، ومطاردة فلوله إلى الصحراء، وبعد هزيمته النكراء، في بنغازي ودرنة ، ها هو “داعش” يظهر من جديد، محاولا مرة أخرى قلب المعادلة التي كادت تركيبتها أن تُؤتي نتائج طيبة، حسب التطلعات على أقل تقدير.
هجوم مباغتٌ لمجموعاتٍ إرهابية مسلحة يعتقد أنّها تابعة لفصائل تنظيم داعش الإرهابي، تستغل الفراغ الأمني، والشقاق السياسي، لتشنّ هجومَاً مسلّحاً في ساعات الصباح الأولى اليوم، على منطقة الفقهاء بالجفرة، وتداهم مركز شرطتها، نتج عنه سقوط أربعة قتلى واختطاف ما يقارب العشرين شخصاً، يُعتقد أنّهم تعرضوا فيما بعد للتصفية رمياً بالرصاص، بعد سماع الأهالي لإطلاق نار متواصل على مقربة من المنطقة التي تمّ اختطافهم منها، غيرَ أنّه لم يتم تأكيد مقتلِهم بعد.
في هذا الخضم، وعند الركن الآخر من المشهد في ليبيا، يعمل قادة العاصمة على تفعيل الخطة الأمنية والمجاهرة بالأمن عبر نشر البوابات والاستيقافات الأمنية في طرابلس، وتهيئة الأجواء لإنهاء المظاهر المسلحة في المدينة، بعيدا عن الفقهاء التي تبعد عن ترتيبات العاصمة الآمنة بـ 651 كم، وبعيدا عن كل مكاتب صُنّاع القرار في ليبيا شرقها وغربها، باستثناء جنوبها المنسي، الذي دخل مرحلة ما بعد الضياع والفوضى، نتيجة للصراع المحموم بين الأطراف في ليبيا.
وهكذا بدأ المشهد الحقيقي في بلد الاتفاق السياسي والمبادرة الأممية والترتيبات الأمنية والسفريات للمسؤول الأبرز فيها، بعيدا عن الإكسسورات التي يحاول بعض الساسة تجميلها وتصديرها، بأن ليبيا انتهت أزماتها، وداعش لن يعود إليها.. لكنّ كل هذا انهار في لحظة، ما زال يعيش فيها الليبيون وحدهم بعيدا عن الفرقاء، صراعات وقتلى ومخطوفين، وآخرين ينتظرون حكومة واحدة تُنهي الكابوس الذي يعيش معهم، إضافة إلى ضحايا الاشتباكات المسلحة، وآهات الأُمّهات على أبنائهن الذين يسقطون نتيجة لصراع أمراء الحرب.
مؤتمر باليرمو الذي أصبح حديثا تلوكه ألسنة المهتمين والساسة داخل ليبيا وخارجها، يرى بعض المتابعين، بأنه لن يكون العلاج الشافي لكلّ الأزمات، وفقا لما ذكره المهتم بالشأن العام السنوسي الشريف، لـ:218 “أن مؤتمر باليرمو لن يضيف شيئاً على الساحة السياسية الليبية وسيكون مشابها لسابقه”، فيما قال عضو المجلس الأعلى للدولة أبو القاسم قزيط، قبل يومين لبرنامج “LIVE”، على قناة “218NEWS” إنه لا يوجد أجندة واضحة لمؤتمر باليرمو حتى هذه اللحظة، مضيفا أنه قام قبل أسبوعين بالتواصل مع الدول المهمة التي توصف بالمجتمع الدولي، وأكدوا له أنه لا أجندة واضحة للمؤتمر.
تسميات ملّها الليبييون، واجتماعات ورحلات مكوكيّة حول العالم، لمسؤولين أخذوا في حقيبتهم كل مهمّ ما عدا الهمّ الليبي، وجرح الوطن، ليستمر مسلسل المجتمع الدولي الذي ينظم المؤتمرات، ويعقد الجلسات، زاعماً سعيه لحل الملف الليبي، في أروقة فنادق أوروبا ومنتجعاتها، بعيداً عن آهات الليبيين وصراخ أطفالهم ونحيب نسائهم، ومطالبهم بحياة آمنة وهادئة.
هل تعيد نكبات الفقهاء المتتالية الضميرَ لقادة ليبيا المتنازعين؟ وهل تكون دماء أبناء الفقهاء الزكية حافزاً لهم لتقديم تنازلات أكثر من أجل ليبيا؟ وإذا تمّ التأكد من أنّ داعش كان وراء هجوم الكفرة.. هل سيكون ظهوره مجدداً سبباً في توحيد الصف الليبي على طاولة مؤتمر باليرمو؟
كثيرٌ من الأسئلة؛ غير أنّ أهمها يكمن في صدور النازفين تحت سكاكين المعتدين.. كم يكفيكم من دماء وجثامين أبنائنا لتتفقوا على إنقاذ وطن؟