بعد الانتخابات.. حتحات على ما فات
بقلم محمد خليفة إدريس
جُملة حتحات على ما فات والمنسوبة للملك إدريس السنوسي -طيّب الله ثراه- قالها إبّان تأسيس الدولة الوليدة لعدد من الأعيان والمشائخ، في دعوة للمصالحة الشاملة وعدم القصاص من الخونة والمتعاونين مع الإيطاليين؛ لبناء دولة جديدة بعيداً عن تركة الماضي، اليوم وفي وقت تعيش فيه ليبيا على عتبة انتخابات برلمانية ورئاسية ستكون هي الأولى من نوعها في ليبيا لاختيار الرئيس منذ أن نالت استقلالها قبل 69 عاماً لتنتخب رئيساً لها في ذكرى استقلالها الـ70، نحتاج بشكل جِديّ وعاجل لتطبيق هذه المقولة لنعبر بالبلاد إلى برّ الأمان.
تشابكت المصالح وتعارض الولاءات، وما يحدث على الساحة السياسية اليوم يُشير إلى احتمالية تأجيل الاستحقاق الانتخابي، رغم المطالبات المحلية والإقليمية والدولية بإجرائها في موعدها المحدد، عدا عن النعرات الجهوية والقبلية والإيديولوجية التي تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، في بلد يعيش على وقع الرصاص في ظل انتشار السلاح وعجز الدولة عن احتكار العنف.
في هذا الخضم تبرز أدوار أصحاب المصلحة الخارجيين في تحريك عدد من بيادقهم في الداخل، في محاولة لاختلاق مزيد من الفوضى، في بلد مزّقته الصراعات لعقد من الزمن، وبات حلم مواطنيه اليوم الحصول على الاحتياجات الأساسية عوضاً عن التفكير في مستقبل البلد، ما يجعل التساؤلات مطروحة حول حقيقة الأزمات التي تعيشها البلاد، وعلاقة تصاعدها بالتزامن مع بعص الأحداث السياسية والعسكرية على الأرض، في خطوة تَشِي باحتمالية استغلال احتياجات المواطن اليومية في توجيه الرأي العام حيال ما يحصل في الشارع.
اجتماعات اللجنة العسكرية 5+5 والتي تنص على خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، والتي أكد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ترحيباً أممياً بها، تفتقد لجدول زمن واضح وآليات مُحددة للتطبيق على الأرض، ما يجعلها شبيهة بالمطالبات الخارجية والمحلية لعموم الشعب، في ظل غياب آليات واضحة وبمُدد زمنية تتيح المتابعة والمراقبة والمحاسبة والتقييم للإجراء برمته، تصريح يكاد أن يكون ذراً للرماد في العيون لتمرير الانتخابات، انتخابات أفرغت من هدفها الحقيقي بالتركيز على ضرورة إجرائها دون التحقق من نجاح مخرجاتها، وكأن الانتخابات غاية في حدّ ذاتها وليست وسيلة للمُضي قُدماً بالبلاد.
لا أريد أن أكون سوداوياً ولكن الانتخابات في ظل غياب العمل الحزبي بشكله الصحيح، وإقصاء الترشح بالقوائم واقتصاره على الأفراد لن ينتج سوى برلماناً بأطراف متشاكسة، وأداءً متعثراً يتمسك كلٌ فيه برأيه، ولن تغيب النعرات الجهوية بكل تأكيد عنه لترسيخ مبدأ الغنيمة والغلبة؛ لخدمة مناطق بعينها في تحالفات تجسد أسوأ أشكال الممارسات البرلمانية، في بلد أنهكه ساسته بإفراغ خزائنه بالهبات والعطايا دون أدنى دراسة للواقع الاقتصادي للبلاد التي تعيش على وقع الحروب والاضطرابات في مختلف القطاعات، لاسيما قطاع النفط الذي يُشكّل أكثر من 90%، فيما يبتهج غالبية المواطنين بهذه القرارات الارتجالية عبر ماراثون الهبات بين الحكومة والبرلمان، والذي يزيد من الدّين العام ويضاعف نسب التضخم في البلاد، فمن باب أولى إجراءات إصلاحات تقشفية عاجلة، لمعالجة تشوهات الاقتصاد الليبي بما يساهم في رفع القيمة الشرائية للدينار الليبي، ويدفع قُدماً بعجلة الاقتصاد.
الانتخابات المقبلة إن لم تنجح في إفراز جسم برلماني قويم، ورئاسة مُحنّكة؛ ستدخل البلاد في منعرج خطير قد يدفعها للاستدانة من البنك الدولي ويجعل شبح “النفط مقابل الغذاء” في الأفق، وينذر بالسير بالعملة الليبية على خُطى الليرة اللبنانية، ليكون التعامل بها مستقبلاً بعشرات الألوف لشراء بضعة أرغفة من الخبز.