بطمة الدولة المدنية
محمد العجمي
أ: “نبو دولة مدنية”
ب: كيف؟
أ: دولة حقوق وحريات ومواطنة !
ب: ايوة نعرف، بس كيف نوصلولها؟
أ: ننتخبوا شخصيات من التيار المدني !
ب: انتخبناهم ما صارش !
أ: “نبو دولة مدنية”
ب: …………!!!!!!!!!!
وهكذا تدور دائرة النقاش مع الكثير ممن يرفعون شعار “الدولة المدنية” التي لا يقول المتحدث عنها من أين استشف الاسم، هل هو من كتابات “جون لوك” الذي كان وليد فلسفات كثيرة سبقته، أم عن كتابات “فولتير” و”مونتسيكيو” القادمين من عصور التنوير وخلاصات عصر النهضة في أوروبا.
المتتبع للدول التي تتمتع بقدر من الحريات والديمقراطية يدرك ببساطة شديدة شيئين، أن الوصول لهذه المرحلة كان وليد مسيرة استمرت عقوداً، وأن من قام بها لم يكن سلبيا ولو للحظة، بداية من توزيع “فولتير” منشوراته للعمال والفلاحين، وصولا إلى عشرات الزعماء السياسيين حول العام الذين تعرضوا للاغتيال والسجن والتعذيب والنفي وغيره من الوسائل التي اخترعها الإنسان لإبعاد أخيه الإنسان.
وخلف هؤلاء الزعماء والفلاسفة كان المئات من الأفراد الواعين الذين قد نطلق عليهم في يومنا الحالي “النشطاء” القادرين على التحرك وسط مجتمعاتهم الصغيرة لمناقشتهم وإقناعهم، لا البحث عن رحلات خارج البلاد أو الهروب باتجاه منافي أأمن توفر لهم الملاذ من بطش السلطة.
هذه التحركات فضلا عن عوامل رئيسية متمثلة في رغبة شعبية في التغيير بناء على عوامل اقتصادية واجتماعية كانت قد شكلت نقاطا مفصلية في حياة مجتمعات كثيرة وصلت بها إلى قدر جيد من الحريات، وتطوراً اقتصاديا ومجتمعيا يفتح الباب أمام تطور إنساني أكبر.
لكن الحال هنا يختلف، فالمفكر منبوذ، والمخطط يريد أن يصبح المخطط والمنفذ والقائد والأستاذ والمعلم، والناشط هو أعلى من “بقايا الشعب” الذي يطالبه في الوقت ذاته أن يتخذ خيارات “صحيحة” من وجهة نظره، والتي هي أصلا خياراته التي عجز عن الكفاح من أجلها وسط الشارع وينادي بها من منبر عاجي على مواقع التواصل الاجتماعي أو من منابر التلفاز.
لا يتوقف الأمر هنا، فكل من يتخذ خيارات وتكتيكات مرحلية من أجل الوصول إلى هدفه هو ممول وعميل وتابع وفي أحسن الأحوال خائن لخطه، هكذا يوصف ليل نهار، في تجمعات الكسالى وصفحات فيسبوك، فلا مكان لمن يحاول العمل والتطبيق، لكن الباب مفتوح أمام كل من يريد التباهي والادعاء من دون عمل، فسيصبح ولا شك مفكرا جهبذا ترفع له القبعات أمام كل الجمل الناقصة التي يكتبها، والرؤى غير الواقعية التي تتأتى من خيالات ليلة ما.
يستمر الكسل الذهني والخيال السياسي القاصر عند هذه الطبقة، فيحاربون أعدائهم بوصفهم ممولين وخبيثين وغادرين، ولا يعترفون بأنهم ببساطة يتحركون وسط طبقات شعبية استفادت منهم، ويواصلون في سلوكهم صعب التفسير عندما يحارب طرف ما هؤلاء الأعداء فيريدون منه تطبيق رؤاهم وأفكارهم بلا أي جهد منهم ولا محاولة للاقتراب منه، ولا فهم بسيط أن السياسة هي تبادل المصالح ومن لم تقدم له مصلحة لن يطبق رؤيتك السياسية عن طيب خاطر ومن أجل “سواد عيونك”.
ومادام هذا حال “التيار المدني” ومادامت الأطراف السياسية مستمرة به أو من دونه، ومادامت السلبية والهروب والجبن وعدم القدرة على التغيير مستمرة، سيظل الانتظار قائماً إلى أن يقوم الغرب الذي أسس لكثير من مفاهيم المدنية باختراع “بطمة” “نزرّوها” وتطلع “الدولة المدنية”.