“انظر إلى ما فعلتم أيها البريطانيون في ليبيا!”
ترجمة خاصة
في عدد الجمعة من صحيفة التلغراف، نشر وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون ، مقالا بعد عودته من زيارة إلى ليبيا، دوّن فيه انطباعاته عن الزيارة ورؤيته لمستقبل ليبيا جاء فيه:
كنت أقف خارج ميناء طرابلس مع آمر خفر السواحل الليبي، عندما ذكَر ما حدث خلال ستة الأعوام السابقة، وأشار إلى أكثر ما يؤذي النظر في الميناء فقال: “انظر إلى ما فعلتم أيها البريطانيون!”
يعاني حرس السواحل الليبي الآن من نقص حاد في السفن، ففي كل أسبوع يبحر هذا القائدُ مع رجاله، في مطاردة لمهربي البشر، وفي كل أسبوع يعاود هؤلاء المتاجرون الكريهون في لحوم البشر فعلتهم، فيدفعون الناس إلى ركوب البحر في قوارب بسيطة مصنوعة محليا.
مضى أقل من شهرين عندما نشب خلاف بين حرس السواحل الليبي ومنظمات خيرية تستخدم سفنا لانتشال الناس من البحر. ويقول حرس السواحل إن سفن الإنقاذ تعمل مثل مغناطيس جاذب لهؤلاء المهاجرين. بينما تقول منظمات الإنقاذ إن البحرية الليبية تمنع عمليات الإنقاذ مستخدمة العنف ضدها. لكن الجانبين يتفقان على أن الليبيين يعانون للتأقلم مع هذا الوضع، وليس لدى حرس السواحل سوى 3 سفن قديمة. هناك في تلك المياه تذكارٌ على أنه كان لليبيين ذات يوم فرقاطة حربية كبيرة، وهناك فوق بدنها المائل، تذكار من ضربة قاضية لطائرات سلاح الجو البريطاني.
نعم ستجد الكثيرين الذين يشرحون لك أن تلك السفن المعطوبة هي علامة واضحة على مشاركة بريطانيا في التاريخ الليبي الحديث، وسيذكرون أننا تعاونا عام 2011 مع فرنسا والولايات المتحدة لإسقاط الدكتاتور القذافي، ثم يقولون أننا بعد انتهاء تلك المهمة غادرنا تاركين الليبيين يغرقون في مشاكلهم.
في ليبيا اليوم توجد ثلاث بنادق لكل شخص من سكان البلاد، لكن ليس هناك أي مصدر للقانون والحكم، ناهيك عن السلطة. وهناك مصرفان مركزيان، وبرلمانان متنافسان، وثلاثة رؤساء وزراء، وما يصل إلى أربع حكومات. وهناك بالطبع أعداد لا تحصى من المليشيات التي تتنافس مع الجيش الوطنى للسيطرة على هذه المساحة الشاسعة من الأرض، التي يغيب عنها القانون، والتي نراها نحن في بريطانيا كموقع لنمو الإرهاب ومهربي البشر، وهي الأنشطة التي تؤثر بقوة على أوروبا الغربية.
بإمكاننا رؤية لماذا يلقي بعض الليبيين اللوم على الغرب في معاناتهم الحالية، وحتى في الحنين إلى أيام القذافي. ومع ذلك فهناك أعداد أكثر لا يرون الأمر من هذه الزاوية. فأغلب الليبيين الذين يتمتعون بالحصافة يشعرون بسعادة غامرة لأنهم تخلصوا من حكم طاغية عذبهم، وسجنهم، وقتل الآلاف. والكثيرون من الشباب الليبي يشعرون بالامتنان لدور بريطانيا في التخلص منه، ويرون أن بريطانيا في صفهم، وملتزمة بنجاح بلادهم على المستوى البعيد، والحرص على نجاح الديموقراطية الوليدة. نحن هناك مع حرس السواحل الليبي بوجود قوات خاصة من مشاة البحرية التي توفر لهم التدريب. نقوم بتدريبهم على قوانين البحار، ونعلمهم اللغة الإنكليزية كي يتمكنوا من التعامل مع مهاجر مروّع من نيجيريا، وقد تعهدت حكومة المملكة المتحدة بتمويل عمليات نزع الألغام، وإقامة مراكز إسعاف، وإعادة بناء وحدات البنية التحتية المهمة في سرت التي طُرد منها داعش.
ورغم فاعلية بعض هذه الأعمال التي نفتخر بها، إلا أننا نعرف أن بعضها مجرد وضع ضمادات على الجرح العميق داخل المجتمع الليبي. ما لم يكن لتلك البلد حكومة فاعلة وموحدة وحتى ذلك الحين، سيظل الليبيون يعانون معاناة شديدة، وبدون حل سياسي سيستمر هذا البلد في أن يكون خط المواجهة – خط مواجهتنا نحن- في الكفاح ضد الهجرة غير الشرعية والإرهاب. علامات الأمل موجودة هناك ، فطرابلس أكثر أمنا الآن، وكنتُ أول وزير بريطاني يزور مصراتة بعد 2011.
لابد من الوصول إلى اتفاق وإعادة اللحمة بين الشرق والغرب وإعادة توحيد حكومة طرابلس المعترف بها دوليا والتي تعاني صعوبات جمة وعدم الاعتراف بها من قبل مؤيدي الجنرال خليفة حفتر في بنغازي والذي يسيطر على مساحات واسعة من البلاد. سيتطلب الأمر بعض الرشد والصبر من قبل، وفوق كل ذلك سيتطلب موقفا مشتركا من المجتمع الدولي.
الآن هو وقت أصدقاء ليبيا لأن يضعوا خلافاتهم جانبا وأن يساندوا خطوات المبعوث الأممي الجديد الممتاز غسان سلامة. وفيما أشرفُ على آثار مدينة لبدة التاريخية العظيمة، أجد نفسي أتذكر أن هذه المدينة كانت ذات يوم جوهرة تجارية وثقافية لمنطقة البحر المتوسط، وإذا ما توصل العالم لأن يتّحد وراء خطة الأمم المتحدة، فقد تعود ليبيا إلى العظمة من جديد.