اليابان دهشة!
زاهي حواس
سافرت إلى اليابان مرات كثيرة، وتعودت في كل مرة أن أجد شيئاً جديداً يبهرني بهذا الشعب العظيم وهذا البلد العجيب المثير للدهشة والتأمل؛ وبالتأكيد لم يتندر عليهم شعوب العالم من فراغ حينما أطلقنا عليهم اسم كوكب اليابان! لم أشاهد ورقة ملقاة على الأرض أو سلالاً للقمامة في أي شارع! هناك التزام من كل فرد بالمجتمع بالمحافظة على مدينته، والتزام سلوك محترم في التعامل مع الآخر.
ويصل حجم السياحة إلى اليابان إلى نحو العشرين مليون زائر، وهؤلاء لا يأتون لمشاهدة الآثار والمواقع التاريخية في اليابان، ولكن لمشاهدة اليابانيين! فالشعب هو نفسه المعجزة، من خلال عاداته وتقاليده التي تجعل من الفرجة عليه سياحة. عجيب أمر اليابان!
ويبدو بالفعل أن كوكباً فريداً قد التحم بالأرض وسُمي اليابان. لقد وصل اليابانيون إلى القمة عن طريق الإدارة والنظام والعمل الجاد، وقد بدأت النهضة في اليابان في عام 1817، أي بعد اثني عشر عاماً من النهضة التي بدأها محمد علي باشا عام 1805 في مصر. والفرق أنهم أكملوا ونحن تعثرنا! وفي اليابان كل شيء بثمن، وعلى قدر ما تدفع على قدر ما تأخذ من خدمات. ولو حدث وفقدت حافظة أموالك فإنه يمكنك التوجه إلى أقرب قسم شرطة لتأخذ سلفة (كاش) تقوم بسدادها فور وصولك إلى المنزل. كل شوارع اليابان مراقبة بالكاميرات، ما عدا الحمامات. الدولة العربية الوحيدة التي يدخل مواطنوها اليابان من دون فيزا هي تونس؛ لأنهم أدوا خدمات لليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية. يؤمن المواطن الياباني بالقضاء والقدر ويقبل أياً منهما دون أن يبكي أو يندب حظه. أكبر جريمة في اليابان هي التهرب من الضرائب، وبعدها مخالفة قوانين الإقامة، ثم مخالفة قانون المرور، وبعد ذلك تأتي الجرائم الأخرى مثل القتل والمخدرات.
وجدت لافتة على أقسام الشرطة وأمام البرلمان، وذلك مساء الثلاثين من يونيو (حزيران)، أنه لا توجد وفيات في اليابان خلال هذا اليوم! تخيلوا كوكب اليابان لم يمت فيه أحد! يعيش في اليابان مائة وعشرون مليون نسمة على ثلث مساحة اليابان فقط، ورغم ذلك لا توجد مشكلات في المرور والإسكان. ميدان شيبويا بطوكيو يمر به مليونا شخص يومياً، في منظر رائع غير موجود في أي بلد بالعالم.
ويوجد في اليابان تمثال لكلب اسمه «هاتشيكو» وهو رمز للوفاء والإخلاص. وقصة هذا الكلب تشير إلى أن صاحبه كان يأخذه يومياً للمحطة، وبعد عودته يأخذه للمنزل، وفي يوم توفي الرجل في العمل وظل الكلب في المحطة ينتظر صاحبه حتى مات. ووضعوا تمثالاً للكلب في الميدان، وأصبح ميداناً مهماً يزوره كل سائح، وصورت أفلام أميركية يابانية عن الوفاء.
تستعد اليابان الآن للأولمبياد، عمدة طوكيو امرأة تخرجت في جامعة القاهرة، ومرشحة لرئاسة الوزراء، وهي من عشاق مصر، ويطلقون عليها حسناء السياسة اليابانية. المطر يعني هطول مياه كأن بحار السماء فتحت، ولا يخرج الياباني من منزله إلا بعد معرفة ميعاد سقوط المطر. منطقة شيبويا حلم الريفيين للحضور إلى طوكيو للمشتريات. الزبون مثل الآلة لا تقول له شكراً. قُطعت الكهرباء في طوكيو فلم تحدث تلفيات؛ بل تركوا كل شيء في مكانه. لا يوجد باليابان موارد طبيعية، بل الاعتماد على الإنسان هو صانع الحياة. التعليم هو الأساس، لا توجد امتحانات حتى الإعدادية، ويتعلمون 30 في المائة فقط للعلم، والباقي لإعداد الطفل ذهنياً للمستقبل. عجيب كوكب اليابان.
……………………….
الشرق الأوسط