الوحدة الليبية مازالت بعيدة المنال
بِنِتْ اسْتفل*
ترجمة خاصة لقناة (218)
بعد أكثر من ست سنوات من الاهتزازات التي أحدثها الربيع العربي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مازال الشعب الليبي يواجه ما يبدو أنه تهديد لا يُذلل يعيق تجميعَهم بلادهم الممزقة من جديد. المليشيات المتحاربة وتوسع تهديد الإرهاب ألحقا بالبلاد خرابا عظيما. القائدان الليبيان الأبرز اللذان يمثلان الفصائل المتنافسة، فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني التي أقيمت برعاية الأمم المتحدة، والمشير الركن خليفة حفتر، رأس الجيش الوطني الليبي، اتفقا مؤخرا خلال اللقاء الذي عقد في باريس بوساطة الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون 25 يوليو، على وقف لإطلاق النار في كل البلاد وإجراء انتخابات رئاسية بداية 2018. إلا أن الطريق نحو المصالحة في ليبيا مازال يكتنفه الضباب.
كان هذا اللقاء الثاني بين السراج وحفتر خلال الأشهر الثلاثة الماضية، حيث سبق لهما أن التقيا في أبوظبي في مايو. خلال وجودهما في باريس، أقر القائدان الخصمان أن الحل السياسي وحده هو الكفيل بإنهاء الحرب الأهلية وأنه ينبغي وضع كل المليشيات في البلاد تحت مقاليد جيش وطني خاضع للحكومة.
وأيا كان الأمر، توجد في الاتفاقية جوانب قصور خطيرة. فوقف إطلاق النار لم يتطرق إلى مسألة محاربة الجماعات الإرهابية، وهو ما يجعل الجانبين حرين في تحديد الأهداف “المشروعة”. أكثر من ذلك، فشلت الترتيبات في تحديد موعد للانتخابات الجديدة المقترحة، الأمر الذي ترك الكثيرين يتساءلون عما أنجز في باريس. وأخيرا، فإن هذا الاتفاق قد ينتهي به الأمر إلى أن يصنف في خانة اتفاقات السلام السابقة التي أبرمت منذ إسقاط معمر القذافي القوي 2011، والتي لم تحترم وأخفقت في تحقيق تقدم ملحوظ.
بدأ الاضطراب في ليبيا بعد إزاحة القذافي عن السلطة وقتله في انتفاضة 2011. وكانت النتيجة حكم البلاد من قبل المجلس الوطني الانتقالي الذي نقل السلطة في أغسطس 2012 إلى جسم منتخب سمي المؤتمر الوطني العام. في يونيو 2014 اختار الناخبون إبدال هذا المجلس ببرلمان جديد سمي مجلس النواب. إلا أن النتائج كانت محل نزاع وأدت الأحداث اللاحقة إلى تشكيل حكومتين متصارعتين، المؤتمر الوطني العام في طرابلس بغرب ليبيا ومجلس النواب بطبرق في شرق ليبيا.
ومن أجل حل المأزق السياسي الليبي ساعدت الأمم المتحدة على إقامة حكومة الوفاق الوطني في ديسمبر 2015 التي مقرها طرابلس هي أيضا والتي يرأسها السراج، لتعتبر الحكومة الليبية الرسمية. إلا أن هذه الحكومة واجهت، منذ البداية، معارضة بشكل أساسي من حكومة طبرق المدعومة من قبل الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر.
بين الحين والآخر تدفع القوى الغربية والإقليمية السراج وحفتر إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، إلا أنه حتى تاريخه ثمة تردد دولي إزاء منح حفتر دورا سياسيا في الحكومة التي يقودها السراج. لكن حيازة قوات حفتر على أراض واسعة، على أية حال، أذابت ذلك الموقف المتعذر الدفاع عنه، وبالتالي، فإنه من المرجح أن حفتر، في النهاية، سيسعى إلى تسميته قائدا للقوات المسلحة الليبية. ومن المتوقع أيضا أن يخوض الانتخابات الرئاسية القادمة في 2018.
وحسب جيوف بورتر، رئيس استشارات مخاطر شمال أفريقيا، فإن الصفقة التي وقعت بين السراج وحفتر في يوليو “انتهت إلى تقوية جنرال ذي طموح دكتاتوري”.
وأضاف: “أحد طرفي وقف إطلاق النار، السراج وحكومة الوفاق الوطني، لا يملك سلطة في ليبيا. بالكاد يستطيع السراج التنقل في طرابلس، ناهيك عن تنقله عبر البلاد […] بالنسبة إلى حفتر فإنه يبحث دائما عن فرصة لتلميع أوراقه عالميا. الاحتفاء به في باريس من قبل الرئيس الفرنسي أدى إلى تقديمه كرجل دولة أكثر منه رجلا قويا طموحا، مثلما هو عليه الآن، بفاعلية”.
الجمود السياسي الليبي مهد الطريق أمام قوات حفتر لأن تنال قبولا وتتقدم بسرعة. بداية يوليو أعلن حفتر أن الجيش الوطني الليبي سيطر أخيرا على بنغازي بعد ثلاث سنوات من القتال، داعما أكثر وضعه القوي.
إضافة إلى ميدان القتال العسكري والسياسي الليبي، ثمة عامل آخر في النزاع الليبي، وهو صناعة النفط في البلاد الذي يعد مفتاح الاقتصاد الليبي تحت نظام القذافي ويضخ 6, 1 مليون برميل يوميا، لكنه وقع في الفوضى عقب سقوطه. لقد تطلب الأمر سنوات كي يعود قطاع النفط في ليبيا إلى مساره وأخيرا، في يوليو من هذه السنة، ضخت حقول النفط الليبية على مدى أربع سنوات 2, 1مليون برميل يوميا ووصلت البلاد أيضا مستوى عاليا في السنوات الثلاث الأخيرة في تصدير النفط، وفقا للمعلومات المجمعة من قبل بلومبيرغ.
إلا أن إحدى المليشيات طالبت، الأسبوع الماضي، بمزيد من إمدادات النفط وظروف اقتصادية أفضل لمنطقة الزنتان في الشمال الغربي مقفلة أنابيب النفط ومعطلة حقل الشرارة الذي يعد أكبر حقل نفطي في البلاد وكان ينتج 000, 280 ألف برميل يوميا. وقد حذر مصرف ليبيا المركزي من أن هذا الإيقاف خفض الإنتاج بحوالي 000, 350 ألف برميل يوميا مفاقما بذلك المأزق الاقتصادي في البلاد وأن الصدامات المتكررة وإغلاق حقول النفط خلال السنوات الثلاث الماضية كلف ليبيا أكثر 160 مليون دولار.
وحتى هذا التطور الأخير، قدم لإحياء صناعة النفط الليبية بصيصا من الأمل لمستقبل الاقتصاد والسياسة في ليبيا. وفي الواقع، فإن مبعوث هيئة الأمم المتحدة السابق إلى ليبيا جوناثان فنر أخبر محطة السفر بريف أن إطار عمل صناعة النفط الليبية يقدم خريطة طريق للمصالحة السياسية.
“يستطيع الليبيون تقرير أن وضع البلاد سيكون أفضل بالاعتماد على التكنوقراط في إدارة الأوضاع وقصر الاعتماد على الساسة في بضع مسائل أساسية مثل اعتماد الميزانية وتحديد كيفية بناء المؤسسات الأمنية وإنهاء دور المليشيات، وغيرها من القضايا التي تتطلب توجيهات سياسية”. قال فنر.
توجد أيضا مسألة الأعداد الهائلة من المهاجرين الأفريقيين والشرق أوسطيين المتدفقين على ليبيا من أجل عبور البحر الأبيض المتوسط أملا في الوصول إلى الشواطيء الأوروبية. ولقد عملت البحرية الليبية، بالتعاون مع إيطاليا، على اعتراض قوارب نقل المهاجرين، وفي هذا الأسبوع التحق السراج بقادة أفريقيا والاتحاد الأوروبي في باريس لمناقشة كيفية احتواء الأزمة بشكل أكثر فاعلية.
وعلى الجملة، فبينما قدم لقاء السراج وحفتر فرصة للقائدين للحديث وجها لوجه، فإنه لم يكن بمقدورهما تقديم حل قابل للحياة يمكنه أن ينتشل ليبيا من أعماق الحرب، أكثر من الوعد الواهن بإجراء انتخابات رئاسية في 2018.