النواب والدولة بين أوهام العظمة وأوهام الاضطهاد
النواب والدولة بين أوهام العظمة وأوهام الاضطهاد....أعراض شيزوفيرينيا سياسية
أبو القاسم قزيط
هل يمكننا أن نقارب سيكولوجيا مجلس الدولة ومجلس النواب، دون تجني ودون افتئات على أحد، لاشك أن تحليل خطاب مجلس النواب ومجلس الدولة ممكن من خلال تحليل نصوصه وقراراته، لكننا هنا سنحلل الخطاب لفهم السلوك في مرحلة أولى، وفهم السلوك هو بوابة فهم الشخصية الذي هو الهدف النهائي.
من حيث المبدأ لايمكن القول إن المجلسين يتمتعان بالعافية النفسية، في الوقت الذي يكاد يكون هناك إجماع أننا نغرق كل يوم بسبب سلوكهم السياسي الذي استعصى علينا فهمه.
كان بالإمكان استبدال كلمة جنون بكلمة أوهام وجعلها عنوانا للمقال لأن لها نفس الدلالة النفسية كما أنهما يستخدمان بنفس الطريقة في الطب النفسي لوصف أعراض الفصام العقلي، لكننا فضلنا التعبير المخفف والذي يشير إلى أعراض الشيزوفيرينا.
المتتبع للمشهد السياسي منذ ظهور مجلس النواب وعودة المؤتمر لمنافسته في حلبة السياسة، ومجلس النواب يشير بشكل عصابي إلى أنه السلطة التشريعية الوحيدة في البلاد، حتى أصبحت هذه الكلمة العظامية لزمة لغوية لدى كافة أعظاء مجلس النواب.
بل إنهم أصروا _ وبالمناسبة هذا حقهم _ أن يتظمن اتفاق الصخيرات نصا صريحا يشير لملكيتهم الحصرية للتشريع في الدولة الليبية، وأعطيت لهم هذه الجملة لإشباع أوهام العظمة لدي مجلس النواب، لأن نصوص الصخيرات تجعل من مجلس النواب كسيحا غير قادر على القيام بأي تشريع تقريبا دون التشاور الملزم مع مجلس الدولة، وفي المحصلة أشبعت أوهام العظمة لدى مجلس النواب.
المتتبع لسلوك مجلس النواب حتى اليوم يكتشف أن مجلس النواب رغم خوضه لحوار سياسي دام أكثر من سنة ووقّع اتفاقا لتقاسم السلطة مع مجلس الدولة …إلا أنه وانطلاقا من أوهام العظمة لم يعترف حتى بوجود مجلس الدولة، وتجلى ذلك بشكل صادم في تعيين محافظ مصرف ليبيا المركزي محمد الشكري، دون الرجوع أو التشاور مع مجلس الدولة، فرغم النقمة العارمة على المحافظ القديم الصديق الكبير، إلا أن حاجة البرلمان لإشباع أوهام العظمة كانت أقوى من حاجته لإزاحة الصديق الكبير.
تكرر الأمر في تعديل الدستور العاشر والحادي، عشر فلم تكن هناك أي إشارة ولو ضمنية إلى شريكهم في مجلس الدولة، ويبرهن البرلمان على أنه وفيّ لأوهام العظمة أكثر من أي شيء آخر.
وفي نفس السياق يفهم الإصرار العصابي المتكرر لدي البرلمان على وصف مجلس الدولة بالاستشاري، وهو وصف لا يطابق الموصوف لأن مجلس الدولة شريك كامل في كافة المواضيع الحيوية، والإصرار على وصفه بالاستشاري هو في حقيقته تطمين لهواجس وأوهام العظمة، أكثر مما هي وصف لواقعه الحقيقي.
مجلس الدولة هو صنو مجلس النواب، وخوفا من الاضطهاد والتهميش عمل على صياغة نصوص الاتفاق السياسي التي تجعله في مأمن من التهميش والإقصاء، فمجلس النواب، لا يمكنة تحريك حجر دون الرجوع لمجلس الدولة. وفي عرض آخر من أعراض أوهام الاضطهاد، رفض مجلس الدولة أي نوع من أنواع التنازل لمجلس النواب، حتى ولو كان في هذا التنازل مصلحة وطنية مهمة مثل تغيير محافظ مصرف ليبيا المركزي، وكان مجلس الدولة وفيا لجنون الارتياب أكثر من أي مصلحة وطنية ظاهرة.
كذلك هو الحال في مسألة تعديل الدستور العاشر والحادي عشر، لا تنازلات تقدم من مجلس الدولة، ولا قبول لإثارة مشاعر الاضطهاد الهاجعة.
لكن لماذا هذا جنون عظمة وذاك جنون اضطهاد، فالأول هو آخر سلطة تشريعية فعلا، ولأن ترك السلطة فاجعة، فهو يدرأ هذه الفاجعة بأن يروج لنفسه وهْم العظمة والتفرد، أيضا مما يثير مشاعر العظمة للبرلمان هو امتلاك عضلات عسكرية أعطته أحاسيس القوة والعظمة.
أما ذاك لماذا أوهام الاضطهاد؟ لأنه طرد تقريبا من السلطة من خلال حراك لا للتمديد وتعرض أعضاؤه للاقتحام والضرب عشرات المرات، لأن البرلمان كان ينظر لهم كخونة أوكإرهابيين وحاول تجريمهم من على منبر الأمم المتحدة، ولأن فصيلا مهما منهم، يختزن في ذاكرتة الجمعية الاضطهاد والسجون والمنفى، لذلك يناسبه تماما أن تتفجر لدية أعراض جنون الاضطهاد .
نخلص إلى أن المقاربة النفسية بين المجلسين ترصد أعراضا عصابية لديهما، لكن التعبير عن عدم العافية النفسية يأخذ مسارب مختلفة تبعا للبنية النفسية والسياسية والتطورية لكل منهم، وكانت تمظهرات المأزم النفسي السياسي أوهام عظمة عند مجلس النواب وأوهام اضطهاد عند مجلس الدولة.
ماهو الحل؟ هل تنجح هذه الأجسام المأزومة في اجتراح حل سياسي؟؟؟!!! هذا بعيد الاحتمال، ليس هناك خيار إلا أنْ تتحرر هذة الأجسام من أوهامها، أو لا مناص
من تجاوزها في طريق البحث عن حل لهذا الوطن الممزق.