النظرة الأحادية إلى تغير السلوك
عمر أبو القاسم الككلي
يتشكى كثيرون من تبدل بعض أصدقائهم في مواقفهم ومشاعرهم وسلوكهم نحوهم. وغالبا ما يكون هذا التشكي غامضا. صحيح أنه إذا أنجد صديق صديقا آخر في ظرف أزمة وحاجة، فمن الطبيعي أن يتوقع الصديق صاحب الفضل موقفا مماثلا من صديقه هذا في ظرف مشابه يمر به. ذلك أن “الصديق عند الضيق”، كما يقول المثل السائر. وإلا فإن عدم قيام هذا الصديق برد الفضل في هذا الظرف الملح، مع قدرته على القيام بما يجب، يعد تقصيرا وعدم وفاء. أي نقيصة ومثلبة أخلاقية.
لكن مناط اهتمامنا هنا لا يتجه إلى مثل هذه الحالات المخصوصة، وإنما إلى شكوى التبدل بشكل عام.
فمن حيث المبدأ، يغيب عن أصحاب هذا التشكي ان الإنسان ليس حجرا، لا يطاله التغير والتبدل المحسوس، وإنما هو ذو شبه ما بنهر هيراقليطس الذي لا يستحم فيه المرء مرتين، أي يكون في حالة تبدل دائم، وإن كان بطئيا وغير محسوس، في البداية، ولا تبدو مظاهره واضحة إلا بعد فترة. فالناس يطرأ عليها، مع الزمن ومستجدات الظروف، تغيرات وتحولات في مواقفها وأفكارها وآرائها، وحتى في أديانها. وهذا أمر طبيعي ينبغي تقبله والتكيف معه، مهما كان مستغربا منا، أو حتى صادما لنا. وربما كان من المفيد إيراد بيت الشاعر صالح بن عبد القدوس الذي يقر بهذه الحقيقة حين يقول:
صرمت حبالك، بعد وصلك، زينب
والـدهـر فـيـه تـغـيـر وتـقـلـب
من جانب آخر، أننا دائما ننحو باللائمة على الآخرين وننسى أنفسنا. فنحن أيضا عرضة، بهذا الشكل أو ذاك، وإلى هذا المدى أو ذاك، إلى هذا “القانون”، فتطرأ تبدلات على مواقفنا وأفكارناومشاعرنا إزاء الآخرين، ونادرا ما نعترف بهذا، حتى بيننا وبين أنفسنا.
وحتى لو اعترفنا بها فإننا ننتظر من الآخرين أن يحذوا حذونا، أي أن يتبدلوا مثلنا، وفي أكثر الحالات اعتدالا، أن يتقبلوا ما طرأ علينا من مظاهر تحول جديدة ويتفهموها دون إبداء أي تذمر أو ملامة. وعدم ملاحظتنا ما يطرأ علينا، نحن أنفسنا، من تغير وملاحظته والتعريض به عند الآخرين فقط يعتبر موقفا وسلوكا في منتهى الأنانية.