النص الكامل لإحاطة ويليامز أمام مجلس الأمن بشأن ليبيا
قدّمت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني وليامز، الثلاثاء، إحاطة إلى مجلس الأمن، ننشر لكم تاليا نصها الكامل:
السيد الرئيس (السفير سفين جيرغنسون، إستونيا)
أعضاء مجلس الأمن الموقرون
اسمحوا لي أن أستهل بتقديم أطيب التمنيات لزملائنا المسلمين بمناسبة شهر رمضان المبارك. واسمحوا لي أيضاً أن أهنئ إستونيا على رئاستها لمجلس الأمن هذا الشهر.
السيد الرئيس،
كنت آمل أن أتمكن من تقديم إحاطة أكثر إيجابية اليوم ولكن للأسف، حين نعتقد أن الأوضاع في ليبيا قد بلغت الحضيض، نجد أنفسنا – بطريقة أو بأخرى- أمام المزيد من العنف والقسوة والإفلات من العقاب…. فرغم جهودنا الحثيثة ومناشدة الأمين العام ودعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار للسماح لليبيين بالتصدي للتهديد المشترك لجائحة كوفيد-19، يؤسفني أن أبلغكم بأن القتال لم يهدأ بين قوات حكومة الوفاق الوطني و”الجيش الوطني الليبي” الذي يقوده المشير حفتر، والمعروف أيضاً باسم “القوات المسلحة العربية الليبية”. وبدلاً من ذلك، فقد تصاعد القتال مع زيادة غير مسبوقة في النيران غير المباشرة في المناطق المأهولة ومدّ متزايد من المعاناة للمدنيين.
على مدى ما يقرب من 15 شهراً منذ الهجوم الذي شنه المشير حفتر على طرابلس في نيسان/ أبريل من عام 2019، احتدم النزاع المسلح في بعض المناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان وما حولها في ليبيا. ونتيجة لتزايد الأعمال العدائية المسلحة، إلى جانب الأثر الاجتماعي والاقتصادي الوخيم لجائحة كوفيد-19، بما في ذلك فقدان فرص العمل وسبل العيش، ثمة مليون شخص الآن بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية. ويشمل ذلك 400,000 ليبي نازح، إلى جانب 654,000 مهاجر ولاجئ وطالب لجوء. وفي العام الماضي وحده، ومنذ بدء الهجوم على طرابلس، اضطر 201,000 ليبي إلى الفرار من منازلهم، معظم هؤلاء داخل العاصمة وحولها.
وبينما يعمل الناس في جميع أنحاء العالم على التكيف مع الوضع الجديد والعيش في ظل جائحة عالمية، فإن ملايين الليبيين – وعلى وجه الخصوص سكان طرابلس البالغ عددهم مليوني شخص- يعانون من حياة غير طبيعية ومرعبة للغاية في ظل قصف يكاد يكون دائماً وانقطاع متكرر للمياه والكهرباء، ومما يضاعف من هذه المعاناة تقييد الحركة جراء التدابير الوقائية لجائحة كوفيد-19، مما يجعل الوضع برمته لا يطاق بالنسبة للغالبية للاحتفاء بشهر رمضان المبارك بسلام. وما نزال نشهد تحشيداً عسكرياً مثيراً للقلق الشديد نتيجة قيام الجهات الخارجية الداعمة بإرسال الأسلحة المتطورة والفتاكة بشكل متزايد ودون توقف، ناهيك عن تجنيد المزيد من المرتزقة لطرفي النزاع.
وبعد نجاح محاولتها في استعادة ست مدن على الطريق الساحلي غرب طرابلس في نيسان/ أبريل، تسعى قوات حكومة الوفاق الوطني الآن إلى إخراج “الجيش الوطني الليبي” من مواقعه في جنوب طرابلس من خلال إجباره على إعادة نشر قواته وتعطيل خطوط الإمدادات من مدينة ترهونة القريبة. وبدافع من هذه التقدمات الأخيرة، أظهرت حكومة الوفاق الوطني تردداً في الاستجابة لوقف جميع الأعمال العسكرية والذي أعلنه “الجيش الوطني الليبي” في 29 نيسان/ أبريل من جانب واحد بمناسبة شهر رمضان. وفي 5 أيار/ مايو، بدأت قوات حكومة الوفاق الوطني عمليات عسكرية للسيطرة على قاعدة الوطية الجوية غير أنه تم صدها في البداية بواسطة الطائرات المسيّرة والقناصين، مما أسفر عن عشرات القتلى. وبعد محاولات متكررة مدعومة بغارات جوية متعددة نفذتها طائرات مسيّرة، سيطرت قوات حكومة الوفاق الوطني على القاعدة الجوية أمس في 18 أيار/ مايو. وقد تؤدي السيطرة على هذه القاعدة الجوية الاستراتيجية إلى مزيد من التصعيد، الأمر الذي يحول النزاع الليبي إلى حرب بالوكالة. وكما كان الحال في مرات عدة، رأينا مشاركة مباشرة من أطراف أجنبية في هذه العملية، سواء بطائرات مسيّرة أو من خلال وجود أنظمة دفاع جوي على الأرض، وذلك في انتهاك صارخ لحظر التسليح.
ومنذ 24 نيسان/ أبريل، تعرضت طرابلس ولا تزال، وبالأخص مطار معيتيقة، لقصف يومي دون توقف. ففي 7 أيار/ مايو، أصاب القصف المدفعي المكثف والهجمات بصواريخ غراد شنتها قوات موالية “للجيش الوطني الليبي” وسط مدينة طرابلس، بما في ذلك الميناء والمنطقة القريبة من وزارة الخارجية والسفارة التركية ومقر إقامة السفير الإيطالي في ليبيا، ما أسفر عن مقتل اثنين من المدنيين على الأقل وجرح ثلاثة آخرين. كما أصابت جولة أخرى من القصف على أهداف داخل مطار معيتيقة وحوله شنتها قوات المشير حفتر في 15 أيار/ مايو ثلاثة مستودعات تابعة للجنة المركزية للانتخابات البلدية، ما أدى إلى تدمير كمية كبيرة من المواد الانتخابية. وهنا ندعو مرة أخرى إلى الوقف الفوري للهجمات ضد المدنيين والمنشآت المدنية، بينما ندعو حكومة الوفاق الوطني إلى إعادة الطابع المدني لمطار معيتيقة.
وتسببت العمليات العسكرية في ترهونة وما حولها في موجة نزوح جديدة وأثرت سلباً على وصول المساعدات الإنسانية إلى المدينة. ومما يبعث على القلق أيضاً الهجمات عبر طائرات مسيّرة تابعة لحكومة الوفاق الوطني خلال الشهرين الماضيين على مركبات تتنقل بين مزدة وترهونة وكذلك في بني وليد مسببة أضراراً بالغة للمركبات التي تحمل مواد غير عسكرية مثل الغذاء والسلع والوقود والغاز الأمر الذي أسفر عن وقوع خسائر في صفوف المدنيين.
ومنذ إحاطتي الأخيرة، تعرض مستشفى الخضراء، الذي تم تخصيصه لاستقبال المرضى المصابين بفيروس كورونا، ولأربعة أيام منفصلة للقصف بصواريخ “الجيش الوطني الليبي”، ذلك إلى جانب مصحة رويال في الهضبة في طرابلس ومركز الدعم الطبي الميداني في طريق المطار ومجمع عيادات وريمة، مما تسبب في إخلاء هذه المرافق. وفي 16 أيار/ مايو، أصاب القصف الذي نفذته قوات المشير حفتر مأوى للنازحين والمهاجرين في منطقة الفرناج بطرابلس. وقُتل ما لا يقل عن سبعة أشخاص وأصيب 17 آخرين، بينهم نساء وأطفال. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهداف هذا المخيم. وفي 10 أيار/ مايو، قامت مجموعة مسلحة بفتح النيران داخل وحدة العناية المركزة في مستشفى الجلاء في بنغازي مما أدى إلى تلف معدات الوحدة، فيما أصيب مستشفى طرابلس المركزي بأضرار جراء هجمات صاروخية شنتها قوات موالية “للجيش الوطني الليبي”. ولا يفوتني هنا أن أؤكد مجدداً أن مثل هذه الهجمات تنتهك القانون الدولي الإنساني ويمكن أن تصل إلى جرائم حرب.
وفي الفترة بين 1 نيسان/ أبريل و 18 أيار/ مايو، وثّقت البعثة وقوع ما لا يقل عن 248 ضحية مدنية (58 قتيلاً و190 جريحاً)، وذلك بزيادة قدرها 89 في المائة مقارنة بإجمالي الخسائر البشرية المسجلة للأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام. وتُنسب الغالبية العظمى من إجمالي الضحايا المدنيين إلى قوات تابعة “للجيش الوطني الليبي”. يجب تقديم مرتكبي هذه الجرائم التي يعاقب عليها القانون الدولي إلى العدالة.
كما يساورنا القلق من الهجمات على المدنيين والتمثيل بالجثث والعمليات الانتقامية، بما في ذلك النهب والسرقة وإحراق الممتلكات العامة والخاصة، في البلدات الساحلية الغربية التي سيطرت عليها قوات حكومة الوفاق الوطني مؤخراً. ففي 14 نيسان/ أبريل، وعقب سيطرة قوات حكومة الوفاق الوطني على مدينة صرمان، قامت سرية الشهيد عثمان حمزة، التابعة لحكومة الوفاق الوطني، باقتحام سجن صرمان وأفرجت بشكل غير قانوني عن 401 سجين. وفي ترهونة، في 5 نيسان/ أبريل، قتلت مجموعة مسلحة تابعة للواء التاسع الموالي “للجيش الوطني الليبي” ما لا يقل عن تسعة مدنيين من الرجال والنساء وهدمت سبعة منازل بعد طرد العائلات قسراً من منازلها واختطاف سبع نساء لا يزال مصيرهن مجهولاً.
وتعد وسائل التواصل الاجتماعي مسرحاً آخر للنزاع في ليبيا. وتأسيساً على ورش العمل التي نظمناها العام الماضي لوقف التحريض واستخدام خطاب الكراهية في وسائل الإعلام، نظمت البعثة منتدى افتراضيًا في نيسان/ أبريل حضره ما يقرب من 30 مشاركاً ومشاركة من المؤثرين في وسائل الإعلام التقليدية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي من مختلف التوجهات. وقد سرّنا أن نرى المشاركين يتفقون على إنشاء مرصد لخطاب الكراهية تحت رعاية البعثة وإصدار مدونة لقواعد السلوك للعمل الصحفي.
السيد الرئيس،
تضاعف جائحة كوفيد-19 من حالة انعدام الأمن القائمة بالإضافة إلى أنها تفاقم نقاط الضعف طويلة العهد. وتعمل منظومة الأمم المتحدة جاهدةً لمساعدة السلطات الوطنية، بما في ذلك من خلال توفير الإمدادات والمعدات والتدريب. وقد تمت زيادة القدرات المتعلقة باختبار الإصابة بالمرض، حيث يوجد الآن خمسة مختبرات عاملة في البلاد، بعد أن كان هنالك مختبران، ولكن لا تزال هناك حاجة إلى المزيد بما في ذلك الموظفون المؤهلون لتشغيلها.
وحتى 18 أيار/مايو، تم الإبلاغ عن 65 حالة مؤكدة في ليبيا، بما في ذلك ثلاث وفيات مرتبطة بـ “كوفيد-19”. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن ليبيا لم تصل إلى الذروة بعد، ويظل خطر اشتداد الجائحة مرتفعاً جداً. وتجدر الإشارة أيضاً إلى تناسب انخفاض عدد الحالات الإيجابية مع انخفاض قدرة الاختبار، وتقصي مخالطي المرضى في البلد، والخوف من الوصم الاجتماعي.
وعلى الرغم من أن السلطات الوطنية قدمت معلومات محدّثة بشكل متكرر عن التعهدات المالية للتصدي لجائحة كوفيد-19، بما في ذلك بشأن شراء المعدات الطبية ودفع مرتبات العاملين في المجال الطبي، فقد كان الإيفاء بهذه التعهدات بطيئاً لدفع المرتبات بالكامل. وتواجه السلطات المحلية في جميع أنحاء ليبيا نقصاً حاداً في المستشفيات العاملة ووحدات العناية المركزة والمعدات والإمدادات الطبية الحيوية، بما في ذلك معدات الحماية الشخصية. وفي حين أن 75 في المائة من مراكز الرعاية الصحية الأولية مفتوح، إلا أن 20 في المائة منها فقط تُقدّم الخدمات، وذلك وفقاً لدراسة استقصائية أجرتها منظمة الصحة العالمية مؤخراً.
وعلى نحو مماثل، تواجه الجهات الفاعلة في المجال الإنساني عوائق تحول دون نقل وإيصال الإمدادات الإنسانية إلى داخل البلاد وفي أرجائها، إذ لم تتمكن الرحلات الجوية التي تحمل الإمدادات الطبية من الهبوط في بنغازي بسبب عدم منح التراخيص اللازمة. وقد أدى التفاوض على التراخيص من أجل العمل خلال حظر التجوال بسبب جائحة كوفيد-19، فضلاً عن استمرار حالة انعدام الأمن، إلى تأخير عمليات توزيع الإغاثة.
وللتخفيف من انتشار جائحة كوفيد-19 واستجابة للدعوة التي قدمتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أرحب بقيام السلطات الليبية، بحسب التقارير التي وردتنا، بالإفراج عن أكثر من ألفي سجين ومحتجز في الفترة بين 25 آذار/مارس و15 أيار/مايو. وقد أبدى المجلس الأعلى للقضاء والنيابة العامة ووزارة العدل رغبتهم في حماية السجناء والمحتجزين من جائحة كوفيد-19، ونشجعهم على إطلاق سراح المزيد من السجناء، لاسيما النساء والأطفال، والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والأشخاص الذين يعانون من حالات مرضية وكبار السن والمهاجرين واللاجئين. وبدعم فني وتوفير معدات من جانب الأمم المتحدة، نجح سجن الجديدة في طرابلس في عقد عدة جلسات محاكمة عن بُعد في الفترة من 15 إلى 30 نيسان/أبريل.
ولا يزال يعترينا قلق بالغ إزاء وضع المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا. فمنذ كانون الثاني/يناير، جرى اعتراض أكثر من 3200 شخص في البحر وتمت إعادتهم إلى ليبيا حيث يتعرضون في كثير من الأحيان إلى ظروف مسيئة رهن الاحتجاز، في حين اختفى آخرون تمامًا. كما تعرب البعثة عن القلق إزاء طرد ما لا يقل عن 1400 مهاجر ولاجئ هذا العام من شرق ليبيا في انتهاك لالتزامات ليبيا بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان بشأن عدم الإعادة القسرية والطرد الجماعي، فضلاً عن خطر إمكانية ترحيل المزيد منهم قسراً قريباً. وقد تلقينا تقارير عن عدم تقديم المساعدة لقوارب المهاجرين وعدم تنسيق عمليات إبعاد قوارب المهاجرين في عرض البحر الأبيض المتوسط، الذي لا يزال أحد أكثر طرق الهجرة فتكاً في العالم. وأغلقت كل من إيطاليا ومالطا (والآن ليبيا أيضاً) موانئها أمام إنزال المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر، تحت ذريعة مخاوف صحية ذات صلة بجائحة كوفيد-19. إن استقرار السكان في ليبيا لن يتحقق، أولاً وأخيراً، إلا من خلال وقف فوري لإطلاق النار تعقبه عودة كاملة إلى الحوار السياسي.
وأود أن أحث الدول الأعضاء على الاستجابة لدعوتنا إلى التمويل المخصص لجائحة كوفيد-19، فضلاً عن زيادة الدعم لخطة الاستجابة الإنسانية لعام 2020، التي تعاني من نقص حاد في التمويل بنسبة 14 في المائة. إن نقص التمويل يعوق قدرتنا على التصدي لهذه الجائحة فضلاً عن ضمان عدم تفاقم مواطن الضعف القائمة.
السيد الرئيس،
ثمة خطر من أن يتوسع العنف في جنوب ليبيا مع اشتداد حدة الانقسامات القائمة بسبب النزاع. ففي مدينة سبها الجنوبية، تم إيقاف المجلس البلدي المنتخب والذي أدى اليمين مؤخراً بعد أن أصدر بياناً مؤيداً للجيش الوطني الليبي في 26 نيسان/أبريل مما دفع وزارة الحكم المحلي التابعة لحكومة الوفاق الوطني إلى استبداله وتعيين لجنة تسييرية. وقد قدم المجلس المنتخب طلب استئناف لقرار حكومة الوفاق الوطني. وأشجع هنا الحكومة على إجراء حوار بنّاء مع المجلس المنتخب لحماية المسارات الديمقراطية في ليبيا، إذ ينبغي أن تبقى المصالح البلدية بمنأى عن السياسة.
ونود أن نشيد بمثابرة مسؤولي اللجنة الانتخابية المحلية في ليبيا حيث يواصلون التحضير لاستئناف انتخابات المجالس البلدية رغم التحديات الهائلة. إذ من المقرر إجراء 38 اقتراعا محليا آخر في عام 2020؛ وتنظر المجالس البلدية واللجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية في اتخاذ تدابير خاصة من شأنها توفير بيئة آمنة للاقتراع أثناء الجائحة. ومن المقرر إجراء الانتخابات في عدة بلديات في شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو، بما في ذلك في مصراتة.
أصحاب السعادة،
يشكل القتال، إلى جانب استمرار الإغلاق النفطي وجائحة كوفيد-19، تحدياً غير مسبوق للوضع الاجتماعي والاقتصادي المثقل بالتحديات أصلاً في ليبيا. فقد كلف هذا الإغلاق الدولة الليبية أكثر من أربعة مليارات دولار أمريكي. وفي ظل إرهاصات العجز المتوقع في الميزانية والذي يصل إلى 26 مليار دينار في 2020، فرض مصرف ليبيا المركزي تدابير تقشف تشمل فرض تقييدات على النقد الأجنبي. وقد تسبب كل ذلك في فقدان الدخل ونقص الغذاء وارتفاع الأسعار بما في ذلك الاضطراب الذي شاب سلسلة التوريد، حيث ارتفع سعر الصرف الموازي في السوق من 4.1 دينار ليبي مقابل الدولار في شهر كانون الثاني/ يناير إلى 6.1 اليوم، وهو ما يضر بالقدرة الشرائية للمواطنين على نحو أكبر. وأسهم ذلك في محو العديد من المكاسب التي تحققت من الإصلاحات الاقتصادية التي تم إقرارها في عام 2018.
وقد تواصلتُ مع كل من رئيس الوزراء ومحافظ مصرف ليبيا المركزي لمناقشة الأزمة الاقتصادية للبلاد وتشجيع الحوار بهدف تطبيق سلسلة من الإصلاحات التي من شأنها تخفيف حدة العجز الوطني وتحسين حياة المواطن الليبي العادي. وقد أصدرت وزارة العدل هذا الشهر حكماً مشجعاً بشأن قانونية المراجعة الدولية للحسابات.
وثمة أمر آخر يبعث على القلق، ألا وهو استخدام الخدمات الحيوية كسلاح. فمنذ نهاية آذار/مارس وقعت أربعة حوادث من هذا القبيل، اثنتان منها تتعلقان بقطع إمدادات المياه من النهر الصناعي العظيم واثنتان نجم عنهما قطع إمدادات الغاز الطبيعي إلى محطات توليد الطاقة الكهربائية. وهذه الأعمال تستحق الشجب في كل الأوقات، ولا سيما في وقت تعاني فيه البلاد من آثار الحرب ومن وباء عالمي.
وفي تطور إيجابي، تمكنت المؤسسة الوطنية للنفط في 3 أيار/مايو من استعادة التماسك المؤسسي لشركة البريقة الوطنية لتوزيع الوقود وذلك من خلال إعادة توحيد لجنة الإدارة. ونرحب هنا بهذا التقدم الذي يحافظ على حيادية وفاعلية المؤسسة الوطنية للنفط.
السيد الرئيس،
أؤكد لكم أن الأمم المتحدة لن تدخر جهداً في سبيل حمل زعماء ليبيا السياسيين والعسكريين على تحمل مسؤولياتهم والالتزام بوقف إطلاق النار والتسوية السياسية. ويبدو أنه في أعقاب التطورات العسكرية الأخيرة، قد تلوح فرصة لإحياء بعض من الجهد السياسي.
ففي 23 نيسان/أبريل، أعلن رئيس مجلس النواب، السيد عقيلة صالح، عن مبادرة سياسية جديدة تدعو الدوائر الاجتماعية والسياسية التي تمثل الشرق والغرب والجنوب لاختيار ممثليها في مجلس رئاسي مؤلف من ثلاثة أعضاء تحت إشراف الأمم المتحدة. وعلى النقيض من ذلك وفي ذات اليوم، أكد المشير حفتر، للأسف، مجدداً بأنه يعتبر الاتفاق السياسي الليبي والمجلس الرئاسي الحالي لاغيين، وطلب أن يختار الليبيون مؤسسة لقيادة البلاد لفترة انتقالية. وفي خطاب لاحق ألقاه بعد أربعة أيام فقط، وذلك في 27 نيسان/ أبريل، “قبل” المشير حفتر ما يرى أنه تفويض شعبي لقيادته العامة بالاضطلاع بدور أكبر في الحكم. وفي بادرة طيبة، أعلن رئيس الوزراء، السيد فائز السراج، في 5 أيار/مايو، ترحيبه بجميع المبادرات السياسية التي تدعو إلى حل سلمي للأزمة الليبية وحث جميع الأطراف على استئناف المحادثات السياسية سواء في إطار الاتفاق السياسي الليبي أو عبر اتفاق لإجراء انتخابات في إطار دستوري متفق عليه. وفي حال إجراء المحادثات في إطار الاتفاق السياسي الليبي، أشار السيد السراج إلى إعادة هيكلة السلطة التنفيذية، بما في ذلك تشكيل مجلس رئاسي مؤلف من ثلاثة أعضاء، وحكومة يرأسها رئيس وزراء.
نحن نرحب بالموقف البنّاء لرئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب وبأية مبادرات سياسية شاملة تهدف إلى وضع حد للقتال وإيجاد حل سلمي للنزاع في إطار مخرجات مؤتمر برلين الدولي الذي انعقد في 19 كانون الثاني/ يناير وقرار مجلس الأمن رقم 2510. وتبقى مهمتنا الأساسية هي مساعدة الليبيين في إعادة بناء دولة قوية بالقدر الذي يمكنها من احتواء الخلافات السياسية على نحو سلمي.
وقد تواصلنا مع حكومة الوفاق الوطني و”الجيش الوطني الليبي” من أجل اعتماد مسودة اتفاق وقف إطلاق النار التي تم تقديمها في محادثات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في جنيف في 23 شباط/فبراير. وتعكف البعثة الآن على دراسة ملاحظات حكومة الوفاق الوطني بشأن مسودة الاتفاق ولا نزال في انتظار ملاحظات “الجيش الوطني الليبي”. ألتمس مساعدتكم في ضمان الحصول على رد في أقرب وقت لاستئناف المحادثات التي تشتد الحاجة إليها، حيث تشكل مسودة اتفاق وقف إطلاق النار الحالية أقوى أساس لاستئناف الحوار.
نثمن الدعم الذي عبّر عنه المشاركون في مؤتمر برلين. ونأمل، بنفس هذه الروح، أن نعول على مساندتهم في التوصل إلى الوقف الفوري لتدفق الدعم العسكري من الخارج والذي ينتهك حظر التسليح المفروض من الأمم المتحدة. وأطلق الاتحاد الأوروبي عملية إيريني الجديدة في 1 نيسان/أبريل. ونرحب بكل الجهود المبذولة لدعم تنفيذ حظر التسليح المفروض على ليبيا تماشياً مع قرار مجلس الأمن 2292، كما نشجع الدول الأعضاء على المساهمة في مراقبة وتنفيذ حظر التسليح على نحو شامل.
وبالقدر ذاته، نُقدر اهتمام الدول الأعضاء والمنظمات الشريكة في اللجنة الرباعية الليبية بالعمل مع لجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا والتي عقدت اجتماعا على مستوى كبار المسؤولين في 2 نيسان/ أبريل و13 أيار/ مايو. ويهدف إنشاء هذه اللجنة إلى ضمان تنفيذ التزامات برلين. كما انخرطت فرق العمل الأربعة المنشأة في إطار اللجنة في النقاشات، حيث تُشكل هذه الفرق أداة حاسمة لدعم البعثة، فضلاً عن أنها تبرهن لليبيين أنه بمقدور مؤتمر برلين أن يفي بوعوده.
السيد الرئيس،
عند استقرائنا للويلات [MA1] التي أحدثها استمرار العنف في ليبيا منذ ما يقرب من 15 شهراً، نجد أننا قد وصلنا إلى نقطة مفصلية أخرى في النزاع. فمما نشهده من تدفق هائل للأسلحة والمعدات والمرتزقة إلى الجانبين، فإن الاستنتاج الوحيد الذي يمكننا أن نخلص إليه هو أن هذه الحرب ستشتد حدة وتتسع نطاقاً وتزداد عمقاً مسببة عواقب مدمرة للشعب الليبي. ومع تزايد التدخل الأجنبي، يضل الليبيون أنفسهم الطريق وسط كل هذه الأحداث ولا يُسمع لهم صوت. ولذا يجب ألا نسمح بأن تضيع ليبيا. ويجب أن نُمكّن الليبيين الذين يتحلون بالمسؤولية من أن يسطروا مستقبلهم بأيديهم. وبوسع هذا المجلس، عبر توحيد كلمته الآن، أن يضمن الأمن الجماعي الذي كُلف بالحفاظ عليه من خلال ممارسة قدر معقول من الضغط وبشكل مستمر على الأطراف الفاعلة الإقليمية والدولية التي تغذي هذا النزاع. بإمكاننا أن نكتب بشكل جماعي نهاية مختلفة لهذه القصة التي لم تكن سوى قصة محزنة حتى الآن، غير أن ذلك لن يتأتى إلا إذا أظهرنا إرادة جماعية للقيام بذلك.