المكتبة (42)
نُخصص هذه المساحة الأسبوعية، كل يوم أحد، للحديث عن العلاقة بين المبدع وكتبه، والقراءة، والموسيقى.
عثمان الشيخ، كاتب وقاص سوداني، تخرّج في كلية الهندسة ويعمل بالهندسة، يمارس الكتابة في عدد من الصحف السودانية والملاحق الثقافية والمدونات الإلكترونية.
حاز على عدد من الجوائز في القصة القصيرة داخل السودان كجائزة الطيب صالح للقصة القصيرة في دورتي (2017 ـ 2020)، وجائزة نيرڨانا للأدب القصصي (2019)، وجائزة أفربيا للشباب العربي والأفريقي (2018). وخارج السودان مثل مسابقة قصص على الهواء التي تنظّمها مجلة العربي الكويتية بالتعاون مع إذاعة مونتي كارلو الدولية (2018)، وجائزة أحمد بوزفور بدولة المغرب (2018).
صدر له في العام 2019، كتاب (تلصُّص – حفريات في ذاكرة مهترئة-) في طبعة أولى عن دار الريم للطباعة والنشر. وفي العام 2020 طبعة ثانية عن دار نرتقي للطباعة والنشر.
وفي العام 2021، صدرت مجموعته القصصية (الخروج من بوابة الجسد) عن دار الأجنحة للطباعة والنشر والتوزيع.
-ما الذي جاء بك إلى عالم الكتابة؟
ـ يبدو أن كلمة “الفضول” هي التي يُمكنها أن تفك لغز هذا السؤال، في الحقيقة، الفضول هو الذي دفعني للولوج إلى عالم الكتابة، ومحاولة تجريب سحر نسج الحكاية. ومن ثمّ تولّدت عندي دوافع أخرى للاستمرار في الكتابة، فكانت هي الأنيس في لحظات الوحشة، والنصير في حالات الضعف، والسلاح الذي أقاتل به في حروبي. والعجيب في الأمر أن هذا الفضول ما زال مستمراً فكلما اشبعت فضولي من شيء، تعلّقت بشيء آخر وهكذا.
ـ ما الكتاب الأكثر تأثيراً في حياتك؟
ـ أنا لستُ من أنصار الأحاديات “الكِتاب الواحد والكَاتب الواحد والفن الكِتابي الواحد”، وليس هناك كتاب واحد أكثر تأثيراً فيّ من البقية، بل إنّ أيّ كتاب أستغرق فيه جيداً يُصبح هو الأكثر تأثيراً في فترة قراءته، وما إن أتجاوزه إلى آخر أكثر جودة، أجد نفسي مستغرقاً فيه، وهكذا تدور الدائرة.
ولكن على سبيل الذكر أجد عدداً من الكتب مؤثرة في حياتي مثل “قصة الإيمان – نديم الجسر”، “مرايا- نجيب محفوظ”، “لاعب الشطرنج-ستيفان زفايج”، “عرس الزين – الطيب صالح”، “في الكتابة -ستيفن كينغ” وغيره.
ـ أول كتاب قرأته؟
ـ تبدو الصورة مشّوشة في ذهني، المشاهد بعيدة، وغائمة، وصورة الطفل النحيل يُمسك بيديه كتاباً يحاول قراءته، لا يقوى على حمله وتقليبه، يتركه على الأرض، فيختلط أثر بوله مع مؤخرة الكتاب المهترئ، يُقلّب الصفحات الصفراء بدهشه، ولا يصبر على صفحة حتى يقلبْ الأخرى وهكذا.
المدهش أن هذا الطفل يتذكّر هذا المشهد كل حين، لكن لا يستطيع الجزم بشكل قاطع باسم الكتاب الذي قرأه. ولكن يتذكّر كتباً مثل لا تحزن لعائض القرني، والحفّار لصالح مرسي، ومجلة العربي الكويتية، وروايات نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق وغيرها.
ـ علاقتك بالكتاب الإلكتروني؟
ـ علاقة معقدة جداً، فظهوره في حياتي شكّل علامة مميزة، وفتح لي آفاقاً عظيمة وكبيرة، واستطعت من خلاله تقليل تكاليف شراء الكتب، وسرعة وصولها وثقل حجمها ورداءة طبعاتها. ولكن سرعان ما خبأ هذا الإعجاب حينما ارتفع الوعي إلى ما هو أبعد من مجرد كتاب رخيص تحصل عليه بسرعة وبطريقة غير مشروعة ودون إذن الكاتب أو دار النشر. المهم أن وعيي بمسألة الملكية الفكرية وممارستي للكتابة والنشر أيضاً، جعلتني أنظر إليه بعين الريبة. ورغم ذلك أتعامل معه مثل التحذير الموجود على علبة السجائر، أقرأه ولكن أتجاوزه إلى التلذذ بطعم النيكوتين.
ـ الكتاب الذي تقرؤه الآن؟
ـ أقرأ في رواية “امتداح الخالة” لماريو بارغاس يوسا، هذه الرواية والتي رغم قِدم صدورها في العام 1988، وهي تكبرني بعام، وتكرار ظهورها أمامي في فترات متقطعة مع اهتمامي المتزايد بأدب أمريكا اللاتينية، لم أفكر يومًا في الالتفات لها، ولكن في مرة حمّلتها على جهاز التاب الخاص بي وبدأت بقراتها فوراً وما زلت أسيراً لمشاهدها وطريقة كتابتها وعبقرية وسخرية يوسا فيها.
ـ الموسيقى المفضلة لديك؟
ـ ليس لديّ معرفة كافية بأنواع الموسيقى وتفرّعاتها وتاريخها وهذا أمر محزن بالنسبة لي. ولكن أثق أنّ لديّ أذن موسيقية جيدة وجسد طروب يتحرّك لأبسط إيقاع مُتزن. هذه الأذن تُفضل أنماطاً متفرعة من الموسيقى، شرقية وغربية لا يكاد يجمع بينها شيء موحّد.
أذكر مرةً وقعت في غرام أغنية سمعت موسيقاها في مقدمة لبرنامج بودكاست، ولم يهدأ لي بال حتى استمعت إليها كاملة، المدهش في الأمر أن الأغنية مكسيكية وموسيقاها لطيفة ومؤثرة، وفي أحد مقاطعها خالجني شعور أن المقطع هذا بالتحديد، مقطع حزين، وهو ما وجدته بالضبط عندما شاهدت الفيديو الخاص بالأغنية.
ـ علاقتك بمؤلفاتك؟
هي الحياة التي أعيشها، وهزائمي التي لا أستطيع تحمّلها، فأحمّلها أبطالي. هي فضائي الذي أسير فيه عارياً دون خوف، أصرخ دون أن يسكتني أحد. هي فضاء التجريب الذي أصبح فيه رجل دين وسياسي ومثقف ولص وطبيب. هي المكان الذي أخاطب فيه فأراً لعيناً يُحرك رأسه بعصبية وأتعاطف فيه مع كوب قهوة. هي نسلٌ من روحي يخرج ولا يعود، فإن كانت الأسطورة تقول إن كل مصور يفقد يوماً أو لحظة من حياته عند كل صورة جديدة يلتقطها، فأنا أنقص يومًا أو لحظة مع كل نص أكتبه أو كتاب أنشره.
ـ هل ستغير الكتابة العالم؟
ـ لست مشغولاً بالأهداف العظيمة في هذه الحياة، والحديث عن أن الكتابة ستغير العالم مثل الحديث عن أساليب كثيرة ستغير العالم. الحروب حاولت تغيير التاريخ ولكن لم تغيّر العالم.
الأديان غيّرت المجتمعات ولكن لم تغيّر وجه العالم. أما الكتابة فأجد أنها تقع في المنطقة التي بينهما فهي تحمل معولين، فمن جهة تحاول تغيير وجه العالم ومن جهة أخرى تحاول كتابة التاريخ.
ـ ماذا تحتوي مكتبتك؟
ـ كل مكتوب حول العالم أشعر بمسؤولية نحوه، هكذا، ولا أدري لماذا. الروايات، القصص القصيرة، الكتب الفكرية، الكتب الدينية، المجلّات الثقافية الشهرية الدورية، الملاحق الثقافية الأسبوعية، كتب لم أقرأها بعد وهي في الانتظار، وكتب لن أقرأها لأنها لم تعجبني ولكني لا أجيد التخلّص من الكتب، وكتب سأعيد قراءتها لأتلذذ بها جيداً.
أغرب ركن في مكتبتي هو ركن الأصدقاء، والذي احتفظ فيه بكتب أصدقائي الشخصيين الذين التقيّتهم وأدرت حوارات معهم وحصلت على توقيعهم، ولسعادتي أن هذا الركن، بدأ بصورة عفوية، ومن ثم بدأ يتمدد شيئاً فشيئاً.
ـ ما الذي يشغلك اليوم؟
ـ تشغلني قصص لم أكتبها، ومشروع رواية لم ارتكب حماقاتها بعد، وحذاء ضيق أحاول التخلّص منه ولا أملك ثمن حذاء جديد، وعوالم جديدة أحاول التأقلم معها، وأنثى مشاغبة، وحلقات متبقية من مسلسل The Sopranos تركت فيها مصير أنتوني سوبرانو بطل المسلسل في ورطة ولا أدري كيف خرج منها، وأن تكون إجاباتي جيدة على هذا الحوار.