المكتبة (33)
نخصص هذه المساحة الأسبوعية، كل يوم أحد، للحديث عن العلاقة بين المبدع وكتبه، والقراءة، والموسيقى.
محمد المسلاتي (1949)، كاتب وقاص. عضو باتحاد الأدباء والكتّاب الليبيين. تولى مهام رئاسة تحرير مجلة الثقافة العربية (2006 ـ 2011)، قام بالكتابة والإعداد والمشاركة في عديد البرامج الإذاعية.
صدر له: (الضَّجيج ـ قصص قصيرة ـ 1977 – الدار العربية للكتاب)، و(للحبِّ ـ خواطر أدبيَّة ـ 1981 الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع)، و(الدوائر – قصص قصيرة ـ 1983 ـ الدار الجماهيرية)، و(المرأة الفرح قصص قصيرة ـ 2004 ـ مجلس تنمية الإبداع)، و(تفاصيل اليوم العادي ـ قصص قصيرة ـ 2006 ـ مجلس الثقافة العام)، و( ليل الجدَّات ـ الجزء الأول من كتاب الحكايات ـ 2007 ـ مجلس الثقافة العام)، و(التَّماهي ـ قصص قصيرة ـ 2012 ـ وزارة الثقافة).
ـ ما الذي جاء بك إلى عالم الكتابة؟
ـ منذ الطفولة كانت هناك عوالم خفيّة تتشكل في مخيّلتي، تجذبني نحوها، تغريني بملاحقتها، خاصةً عندما كنت استمع إلى جدّتي تسرد حكاياتها ببساطة، واندماج مع أبطالها، ومخلوقاتها، وغيلانها، أسرح معها مغادرًا اللحظة، لأجتاز أزمنة أخرى، وأرحل عبر الحكايات، كانت تلك العوالم افتراضية، تخيليّة من خلال سرد جدّتي، لكنني أشعر أنها حقيقية، ومن هنا أصبح شغفي بالحكايات هوسًا يلازمني دائمًا، فلم أعد أكتفي بحكايات الجدّة، أو عجائز شارعنا. فبمجرد أن تعلّمت أولويات القراءة عرفت طريقي إلى الكتاب، بدأت أشبع نهمي بالرحيل إلى تلك العوالم بأسرارها، وخفاياها، وصرت أقارن بين شخصيات الحكايات، ووجوه الناس ممن أصادفهم في منطقتنا الشعبية، هل يشبهون من تعرّفت إليهم من خلال الحكايات، والقصص، أم أنهم مختلفون؟ وتولدت في داخلي الأسئلة. هل يمكنني أن أصنع من العالم الذي حولي حكاياتي؟ هل يمكنني أن أفعل ذلك؟ قررت أن أُجرب. ومنذ ذلك الحين وأنا مستمر في تجربة الكتابة. وارتبطتُ بها، وكلما تقدم بي العمر؛ أغرق في التجربة أكثر. فصارت الكتابة بالنسبة إليّ تُشبه تجربة الحياة نفسها، إذا لم تكن هي ذاتها. ويبدو أن حياتنا، بأسئلتها وتناقضاتها، هي ما دفعني لخوض تجربة الكتابة. كان ذلك منذ الطفولة. لكنني لم أدرك ذلك إلا الآن.
ـ ما الكتاب الأكثر تأثيراً في حياتك؟
ـ من الصعب أن أحدد كتاباً بعينه له التأثير عليّ؛ لا سيما بعد هذا العمر الذي قرأتُ خلاله عددًا لا بأس به من الكتب. لكنني أختزل الإجابة في أسماء كتّاب أفدت من تجاربهم، فلكل كاتب جانب مُعين شدّني، منهم على سبيل المثال: الصادق النيهوم، خليفة الفاخري، نجيب محفوظ، يوسف إدريس، جمال الغيطاني، زكريا تامر، ارنست همنغواي، تشيكوف، محمد الشلطامي، عزيز نيسين، أمل دنقل، نزار قباني، عبد الوهاب البياتي، شوقي بزيغ، محمود درويش، بابلو نيرودا، وغيرهم من الكُتاب الذين تأثرت بتجاربهم سواء على مستوى المضامين، أو الأشكال الفنية لديهم. لكل كاتب ميزة تؤثر فينا وتُشكل تكويننا الثقافي.
ـ أول كتاب قرأته؟
ـ أول كتاب قرأته في مرحلة مبكرة من العمر هو كتاب حكايات ألف ليلة وليلة. ثم قرأت أول مجموعة قصصية بعنوان تمرد للقاص خليفة التكبالي خلال الستينيات، ومجموعة قصصية بعنوان نفوس حائرة للقاص عبد القادر بوهروس. ثم استمرت القراءات، وتنوعت بين الكتب الليبية، والعربية، والعالمية.
ـ علاقتك بالكتاب الإلكتروني؟
ـ علاقتي بالكتاب الإلكتروني تكاد تكون منعدمة حاليًا، ومازال ارتباطي بالكتاب الورقي أكثر حميميّة، وذلك يعود إلى أن التعامل مع الحاسوب، أو جهاز النقال يتطلب نظرًا سليمًا، وبحكم العمر ضعف النظر لا يتيح لي التعامل معهما لفترات طويلة خاصة القراءة، أحيانًا يكون التصفح لبعض الكتب للاستشهاد ببعض الصفحات، ليس أكثر. أما من حيث النشر فلم أخض تجربة النشر الإلكتروني.
ـ الكتاب الذي تقرؤه الآن؟
ـ حاليًا أقرأ كتاب “فن كتابة القصّة القصيرة” الذي وصلني هدية من مؤلفه الصديق الأديب والناقد الدكتور الأستاذ مختار أمين، رئيس مجلس إدارة مؤسسة المختار الثقافية، وصاحب دار المختار للنشر والتوزيع ـ القاهرة. والذي تعرفتُ إليه عبر فضاء التواصل الاجتماعي.
والكتاب يتناول جنس القصّة القصيرة برؤية عميقة، وحداثية. ولقد تضمن الكتاب أربعة أبواب كل باب يتفرع إلى مجموعة عناوين جمعت بين التعريف بالقصّة القصيرة كجنس أدبي، ونشأتها، وخصائصها، وعناصر بنائها، وفنياتها، والباب الرابع عبارة عن نصوص مختارة كمرجعية استدلالية لما ورد بالكتاب. ومن بين هذه النصوص تم اختيار نصّ بعنوان “نحو السماء” من كتابي “ليل الجدّات” الجزء الأول من كتاب الحكايات.
ـ الموسيقى المفضلة لديك؟
لا ارتبط بموسيقا مُعينة، كل نغم جميل يشدّني إليه، كل أغنية تحرك الأعماق تجذبني. الموسيقا إيقاعات إنسانية أرتبط بها ممن كانت، وأينما كانت، ومتى كانت.
ـ علاقتك بمؤلفاتك؟
تنتهي علاقتي بالنصوص بمجرد الانتهاء من كتابتها لتصبح مشروعات مفتوحة للقراء، والنقاد. وكلما كتبتُ نصًا جديدًا، اعتبرته البداية.
ـ هل ستغير الكتابة العالم؟
ـ ربما تتمكن الكتابة من التأثير على العالم، ولكن ليس على المدى القريب. خاصةً في المجتمعات التي تتجاذبها تيارات متخلفة، لأن هذه المجتمعات تعيش ضمن أطر معرفية مؤطرة، وأيّ خروج عنها ستقاومه ثقافة التخلف، والكتابة لا تُختصر في الأجناس الأدبية فقط؛ لكنها تمتد لتشمل الكتابة في كل المجالات، العلمية، الفلسفية، الاجتماعية، السياسية، بالإضافة إلى الأدبية، كلها تُمثل المنجز الإنساني، ولكن عندما تتصدى الأفكار النابعة من توجهات متخلفة، ومتطرفة لا شك أن التغيير يحتاج إلى وقت طويل، لكن بالرغم من كل الإحباطات، والانكسارات في تاريخ الإنسانية، إلا أن هناك مجتمعات تمكنت من تجاوز ثقافة التخلف، وكان للكلمة دورها في نهضة تلك المجتمعات. ومن هذا المنطلق. ربما الكتابة تعمل على تغيير العالم.
ـ ماذا تحتوي مكتبتك؟
ـ مكتبتي حصيلة تجميع لأكثر من خمسين سنة. تشكيلة من المعارف المختلفة، ولعّل أغلبها يتركز في مجموعات قصصية من إصدارات أغلب الكتّاب الليبيين، ومن الأقطار العربية، وترجمات لكتّاب من جميع أنحاء العالم، بعد القصّة تأتي الأعمال الروائية العربية، العالمية، ثم الكتب النقدية، بالإضافة إلى الكتب التي تُعنى بالأساطير، والملاحم مثل الإلياذة، والحكايات الشعبية، وكذلك دواوين شعرية لأغلب الشعراء من جميع أقطار العالم وكذلك كتب التاريخ، والفلسفية، إلخ. كما تتضمن العديد من الدوريات الثقافية العربية مثل الجيل، العربي، الهلال، الآداب، الثقافة العربية، الدوحة، الهلال. وغيرها ولا شك أن المكتبة الخاصة لمن يمارس الكتابة هي المرجعية الثقافية التي يتفاعل معها باستمرار.
ـ ما الذي يشغلك اليوم؟
ـ إنني أعمل على تجهيز مخطوط مجموعتي القصصيّة الجديدة للطبع بعنوان “هذه المدينة.. ذلك الضَّباب” قصص قصيرة جدًا. وكذلك تنقيح باقي أجزاء “كتاب الحكايات” الذي صدر منه الجزء الأول منذ سنوات. بالإضافة إلى مواصلة الكتابة والنشر حاليًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالمواقع، والصفحات الثقافية.