المكتبة (22)
نخصص هذه المساحة الأسبوعية، كل يوم أحد، للحديث عن العلاقة بين المبدع وكتبه، والقراءة، والموسيقى.
طارق الطيب: كاتب من السودان، من مواليد القاهرة ـ 1959.
نشر حتى الآن 15 كتاباً، خمس روايات ومجموعتين قصصيتين وخمس مجموعات شعرية ومسرحية واحدة وكتاباً في السيرة الذاتية وكتاباً في المقالة.
صدر له في السنوات الأخيرة: (لهو الإله الصغيرـ دار مسكيلياني ـ تونس ـ 2021)، و(وأطوف عاريا ـ دار العين ـ القاهرة ـ 2018)، (نهارات ڤيينـّا ـ القاهرة ـ 2016)، و(الرحلة 797 المتجهة إلى ڤيينـّا ـ دار العين ـ القاهرة ـ 2014)، و(محطات من السيرة الذاتية ـ دار العين ـ القاهرة ـ 2012)، و(بعنا الأرض وفرحنا بالغبار ـ دار الغاوون ـ بيروت ـ 2010).
ـ ما الذي جاء بك إلى عالم الكتابة؟
ـ لا أدرك تماماً كيف أتيت إلى عالم الكتابة. أظن أنني انزحت إلى الكتابة دون أن أدري وعلى مراحل؛ فهناك مرحلة الالتحاق بالكُتّاب في سن مبكرة والبقاء فيه لعام إضافي، ثم مرحلة حكاياتي التي تلوتها وأنا طفل في السابعة لابن مُدرِّستي ذي الأربعة أعوام في المدرسة الابتدائية، ثم مرحلة وقوعي في الحب وأنا في السابعة عشرة وكتابتي أشعارا لم تقرأها الحبيبة، ثم أخيرا مرحلة سنوات فيينا العجاف الأولى قبل ثلاثين عاما حين كنت بلا لغة ألمانية وبلا مال وبلا دفء.
ـ ما الكتاب الأكثر تأثيرا في حياتك؟
ـ في ظني أن التأثير في الحياة لا يأتي من كتاب واحد، ربما يجوز ذلك في سنوات القراءة الأولى، لكن الأثر يظل يتغير مع كل اكتشاف لكتاب جديد. ربما أقرأ اليوم أو غدا كتابا وينضم لمجموعة القراءات المؤثرة. هناك كتب جديدة نقرؤها وتشكل وعينا باستمرار وتبلور الهوية وتتخذ مكانها في الروح والدم إلى الأبد.
في هذا المقام فإن ذكر عناوين كتب المشاهير سيكون استعراضا شكليا فقط من وجهة نظري.
أول كتاب قرأته؟
ـ كان كتاب لمحمد عبد الحليم عبد الله [1913-1970]، (شجرة اللبلاب)، من مكتبة الوالد، كنت في سن صغيرة، ربما في العاشرة أو أقل، قرأت الرواية بانتظام وإصرار على مدار شهر كامل، لأثبت لأبي خصوصا ثم للجميع أنني أقرأ كتب الكبار، لكن في نهاية الشهر لم أتذكر شيئا مما قرأت ولم أفهم الحكاية، كنت في غاية السعادة بإنجاز قراءة مثل الكبار ولو بالشكل فحسب، وسعيدا بغبطة والدي بي.
ـ علاقتك بالكتاب الإلكتروني؟
ـ أعدّ الكتاب الإلكتروني نعمة وضرورة لا بد منها في حالة عدم توفر الكتاب الورقي. وأعترف بأنني أيضا أرتكب القراءة الإليكترونية، وإن كنت أتمنى أن يتم تقنين النشر الإليكتروني عربيا بمقابل ولو زهيد، وأن يكون البحث أكثر يسرا والمواقع الإلكترونية أكثر موثوقية.
ـ الكتاب الذي تقرأه الآن؟
ـ أقرأ الآن كتابا باللغة الألمانية عن سيرة الكاتب النمساوي المعروف بيتر توريني Peter Turrini وهو كاتب شهير غزير الإنتاج من مواليد 1944، كتبته عنه كريستينه ريجلر. الكتاب مزيّن أيضا بمجموعة نادرة في أكثر من مائة صورة رائعة بالأبيض والأسود للكاتب في مسيرة حياته الثرية. بالعربية أقرأ كتاب (الدخان واللهب) للراحل الدكتور شاكر عبد الحميد.
ـ الموسيقى المفضلة لديك؟
ـ الموسيقى الأحبّ إلى نفسي هي الجاز؛ هي موسيقى الشجن والوجع والفرح والزهو والبساطة والعنفوان والجمال والعمق. أستمع أيضا إلى موسيقى شرقية وغربية كلاسيكية، لكن الأرضية الجاذبة هي الجاز.
ـ علاقتك بمؤلفاتك؟
ـ تظل علاقتي بمخطوطاتي قبل النشر وطيدة جدا كأطفال صغار أو رُضَّع؛ إلى أن يُنشَر الكتاب، فيُفطم منّي. هناك إذًا صلة دم دائمة مع الكتابة، إما لضخّ الحياة أو لنزيفها.
قد يعيش الكِتاب حياة لائقة وقد يموت على الأرفف من النسيان، وقد تعيد مقالة إحياءه، فنفرح كأنه بُعِثَ من جديد.
ـ هل ستغير الكتابة العالم؟
ـ الكتابة فعل مباشر وأثر غير مباشر. الكتابة استثمارات مؤجلة تُغيِّر خلال أمد طويل.
لو أن السياسي يقرأ قليلا لتغير العالم كثيرا.
الأفعال الطيبة لا تغير العالم، ما يغير العالم هو الحرب والظلم والاستبداد وما شابه. السلام ليس نقيضا للحرب من أسف، بل صار السلام حالة هدنة بين حرب وأخرى وبين استغلال وآخر وبين هيمنة وأخرى.
ـ ماذا تحتوي مكتبتك؟
ـ لدي مكتبة صغيرة في شقتي في فيينا تحوي تقريبا 4200 كتاب موزعة على كل الغرف، ومكتبة أصغر في البيت في الريف بها حوالي 1200 كتاب.
ثلث هذه الكتب بالألمانية وبعضها بالإنجليزية، لدي بعض الكتب النادرة القديمة من القرن قبل الماضي من طباعة بيروت، كذلك بعض الكتب الممنوعة عربيا، ومجلدات ضخمة في الفن وقواميس وكتب في الأدب والنقد واللغات وبعض العلوم التي أهتم بها كالفلسفة وعلم الاجتماع والاقتصاد والقانون وغيرها، وبالطبع روايات وقصص ومسرحيات.. الخ.
ـ ما الذي يشغلك اليوم؟
ـ الآن تشغلني حديقة البيت في الريف، فنحن في شهر أبريل وتحتاج إلى عناية وهي تسبغ علينا بكرمها أسبوعيا بالجمال أولا ثم بالأثمار فيما بعد.
منشغل بتجهيز امتحانات كثيرة للطلاب في ثلاث جامعات في تقنيات الترجمة من الألمانية وفي الأدب واللغة؛ منشغل في أعمال أدبية لا تتوقف وبالانشغال مع شاعرات وشعراء من سويسرا وألمانيا والنمسا في لقاء أدبي مكثف ومهم عن أوفيد Ovid(43 قبل الميلاد- 17 بعد الميلاد) الشاعر الروماني القديم صاحب كتاب (التحولات) وقصائد الحب الشهيرة (أموريس)، إضافة إلى محاولتي تقديمَ بعضٍ من ملامح الأدب السوداني في الرواية والشعر بتقنية (زووم) من خلال المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح عبر باريس بإدارة الصديق الأستاذ حميد عقبي.