المكتبة (18)
نخصص هذه المساحة الأسبوعية، للحديث عن العلاقة بين المبدع وكتبه، والقراءة، والموسيقى.
ربيعة جلطي: روائية وشاعرة وأستاذة جامعية ومترجمة. تعمل حالياً أستاذة كرسي الآداب المعاصرة بجامعة الجزائر، كلية الآداب واللغات.
صدر لها: في مجال الرواية:
(الذروة: دار الآداب بيروت ـ 2010، وحازت الرواية المرتبة الأولى عربيا في استفتاء القراءة قامت به مجلة الرواية الصادرة بالإمارات العربية لسنة 2010 )، و(نادي الصنوبر: الدار العربية للعلوم بيروت- منشورات الاختلاف الجزائر ـ 2011)، و(عرش معشق: ضفاف بيروت ـ منشورات الاختلاف الجزائر ـ 2013)، و(حنين بالنعناع: ضفاف بيروت – منشورات الاختلاف الجزائر ـ 2015)، (عازب حي المرجان: ضفاف بيروت – منشورات الاختلاف الجزائر ( 2016 )، و(سيرة شغف: سيرة ذاتية بصيغة الجمع- منشورات الحبر الجزائر ـ 2017)، و(أجنحة الضاوية – المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية Enag الجزائر)، و( قوارير شارع جميلة بوحيرد: منشورات الاختلاف الجزائر ـ ضفاف بيروت ـ 2018)، (قلب الملاك الآلي ـ الاختلاف الجزائرـ ضفاف بيروت ـ 2019 )، (جلجامش والراقصة – الاختلاف الجزائر ـ ضفاف بيروت).
في مجال الشعر:
(تضاريس لوجه غير باريسي – منشورات دار الكرمل ـ 1981)، و(التهمة – منشورات مركز وثائق العلوم الاجتماعية والإنسانية- جامعة وهران ـ 1984)، (شجر الكلام – منشورات دار السفير ـ المغرب ـ 1991)، و(كيف الحال – منشورات دار حوران ـ سورية ـ 1997)، و(وحديث في السر – منشورات دار الغرب ـ وهران كتاب شعري مع ترجمة للأديب المغربي الكبير عبد اللطيف اللعبي 2002)، و(من التي في المرآة – دار الغرب – الجزائر مع ترجمة للأديب الجزائري الكبير رشيد بوجدرة 2003)، و(بحار ليست تنام – دار النايا – دمشق – 2006)، و(حجر حائر – منشورات دار النهضة العربية ـ بيروت ـ 2008)، و(النبيّة تتجلى في وضح الليل ـ نص مفتوح ـ ضفاف بيروت ـ منشورات الاختلاف الجزائر ـ 2014 )، و(ترتيب العدم “قيد الطبع” منشورات الاختلاف الجزائر ـ ضفاف بيروت).
ـ ما الذي جاء بكِ إلى عالم الكتابة؟
ـ لعلها طبيعتي المفرطة في الحساسية تجاه تفاصيل الحياة، وكذلك شغف القراءة. القراءة التي وجدتُ فيها ملاذاً مطمئناً وحضناً يُعوّض حضن أمي المفقود باكرا. ورثت شغف القراءة من والدي رحمه الله الذي كان يعتز كثيرا بمكتبته في البيت، العامرة بالكتب باللغتين العربية والفرنسية. التراثية منها والمعاصرة، وبأحدث المجلات والسلاسل الأدبية والثقافية باللغتين. يقتني الكتب بنهم حتى أن ذلك طالما أغضب زوجته. في مكتبة بيتنا اكتشفت كتاب ألف ليلة وليلة وكتاب كليلة ودمنة، والجاحظ و”لي فابل دو لافونتين”، وجبران، والمنفلوطي، ومي زيادة وموليير وألفريد دي موسي وغيرها من الكتب التي كانت تزخر بها مكتبة والدي. إلى جانب هذا فكم وقفت مشدوهة أمام حكواتي الأحياء الشعبية في ندرومة المدينة الأندلسية أثناء زياراتنا لبيت جدتي أثناء العطل الصيفية والربيعية، وفي مدن أخرى سكناها وغادرناها، وأخرى استقبلتنا في ترحالي مع والدي الذي كان يشتغل أستاذا ومترجما في سلك القضاء.
ثم إن الترحال بين بيت والدي وبيت جدي لوالدتي ووجع الفراق في كل وداع لأحد الطرفين قبل استقراري ببيت والدي بدخولي المدرسة، رقّق كثيرا زجاجَ الروح مني. عذبني وشذبني كثيرا إلى درجة أنني أحيانا لا أعرف الحد بين قوتي والهشاشة فيّ. أعتقد أن الكتابة تسللت إلى حياتي لترممني ولتفتح عيني على الحياة ونظمها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وما يعانيه البشر.
ـ ما الكتاب الأكثر تأثيرا في حياتك؟
ـ كل كتاب نقرأه يدس في دواخلنا المجهولة عطرا أو جرحا أو أغنية. منذ الطفولة لم تتركني رغبة القراءة ولم أتركها، مسيرة طويلة مع الكتب التي قرأتها بالعربية منطلقا من “ألف ليلة وليلة” مثلا، أو بالفرنسية “مادام دوبوفاري” مثلا، أو بالإسبانية “ادون كيخوتي دي لمانتشا” لسرفانتيس. كل كتاب هو عالم قائم بذاته.
ـ أول كتاب قرأته؟
ـ بعد القصص التي كان يشتريها لي والدي وتلك التي كنت أستعيرها من مكتبة المدرسة، كان أول كتاب قرأته هو “النبي” لجبران خليل جبران ثم ألف ليلة وليلة وكانا موجودين في مكتبة بيتنا. أما أول كتاب قرأته بالفرنسية كان “أزهار الألم” لبودلير أما باللغة الإسبانية فـ “بيت بيرناردا آلبا” لفديريكو كارثيا لوركا وكان من بين الكتب التي نلتها جائزة في حفلة المدرسة التي تقام عادة نهاية السنة الدراسية لتسليم جوائز التفوق في الدراسة.
ـ علاقتكِ بالكتاب الإلكتروني؟
– بكل صراحة أعتبر من الأمية أن نجهل طريقة التعامل مع الوسائط العصرية المتاحة للمعرفة والعلم والاكتشاف. وإن كنت أحب الكتاب الورقي الذي فتحت حواسي عليه في بيتنا وأنا طفلة وتربيت عليه، ولي في بيتي مكتبة كبيرة تكبر منذ سنوات طويلة، وكتب لا يخلو منها ركن منه، إلا أنني أتبادل مع ابنتي لينا دوران وهي فنانة وكاتبة، ومع ولديّ إلياس وهزار وهما متخصصان في الذكاء الاصطناعي، وكذا مع طلبتي في الجامعة، ومع أصدقائي بعض الكتب الإلكترونية التي يصعب الحصول عليها ورقياً. الزمن يسير بسرعة والعلم يتقدم كذلك في كل المجالات فقط لا بد من تقنين وضبط التعامل مع الكتاب الإلكتروني كما هو الحال مع الكتاب الورقي.
ـ الكتاب الذي تقرئينه الآن؟
ـ بين يدي الآن كتاب “كانديد” لفولتير أعيد قراءته بعد قراءتي له منذ سنوات طويلة. إنه كتاب سردي وفلسفي مركب.
ـ الموسيقى المفضلة لديك؟
ـ سماع الموسيقى وممارستها عزفاً وغناء في حياتي، تماماً مثل القراءة كانت مرفأ روحي.. أحب جميع أنواعها بدءاً من الموسيقى الأندلسية التي اكتشفتها صغيرة في بيت جدتي في ندرومة، وأحب الموسيقى الشرقية والغربية والآسيوية والإفريقية. أعتقد أن أقوى ما اخترعه الإنسان ليست الأسلحة التي يقتل بها غيره من المخلوقات، بل هي أصواته التي يقلد بها الطبيعة وتلك الآلات العازفة التي ترقق العواطف، وتعلم النبل، وتدعو إلى محبة الآخرين على الرغم من اختلافهم، والإحساس بما يشعرون به.
ـ علاقتكِ بمؤلفاتك؟
ـ عندما أنتهي من رواية أو كتاب شعري أو سردي أراه وكأنه فرع مني. من شجرة حياتي. بتجاربي الحلوة والمرة. بأسفاري وترحالي. بقراءاتي وبلقاءاتي. فرع مني سينبت في تربة حقول وبساتين وحدائق أخرى. يصبح ملكا للقارئ، وحين يترجم يضحى ملكا لقارئ أبعد فيصبح قريبا إذ بالكتب تنتفي المسافة بين البشر.
ـ هل ستغير الكتابة العالم؟
ـ في أحداث رواياتي جميعها، ومنها روايتي الجديدة “جلجامش والراقصة” الصادرة حديثا عن الاختلاف بالجزائر وضفاف ببيروت 2021، يوجد ذم مبطن أو واضح للحروب وأنواع الكراهيات الجنسية منها والعرقية والدينية واللغوية والجغرافية والتاريخية. رواياتي وأعمالي تصور هذا العالم اللامتوازن، المكتظ بالأسلحة ومزاجات الساسة، مروعا وبشعا ومخيفا.. في رواية “جلجامش والراقصة” كما في “شارع جميلة بوحيرد و”حنين بالنعناع” أو”قلب الملاك الآلي” إنصات لصوت الطبيعة التي تثور على همجية الإنسان. تدافع عن نفسها وتفرض قوانينها على الإنسان الذي تجبّر واستشرس فأساء لها فلم يترك بسلام لا الأرض ولا السماء بمكوناتهما ولا المخلوقات الأخرى، لا الطائرة منها ولا السابحة ولا الماشية ولا الزاحفة. نعم الكتابة الجادة تغير البشر نحو الأحسن ولكن بشرط أن تتوفر شروط القراءة للمواطنين