المعارضة الإيرانية ومشروع التغيير
كريم عبديان بني سعيد
تأتي نهاية حقبة أوباما بعد 8 سنوات من الحكم ومجيء الرئيس دونالد ترمب واليمين الأميركي، في ظل ازدياد موجة الاحتجاجات الشعبية في داخل إيران، وتركيز الأنظار على المعارضة الإيرانية في الداخل والخارج وأوضاعها ومشروعاتها للتغيير.
وهناك من يرى أن السبب الرئيسي في بقاء النظام ليس قوته، وإنما يكمن في ضعف المعارضة، وأنه لا يمكن تغيير النظام والحصول على الدعم الإقليمي أو الدولي للمعارضة دون تأسيس بديل حقيقي من شأنه أن يقنع المجتمع الدولي بعدم تكرار التجربة السورية.
في هذا السياق، بدأت تيارات المعارضة في الخارج، خلال الأشهر الأخيرة بنشاطات واسعة لوضع خطة شاملة ترنو إلى إيجاد ائتلاف واسع وجاد يسعى لتغير النظام.
من بين هذه التيارات هناك السار الإيراني، وبشكل خاص حزب «تودة» الشوعي الذي يحظى بأهمية كبيرة بين المعارضة، رغم أنه خسر ثقله السياسي بعد الضربة الكبيرة التي تلقاها بعد الثورة في بداية الثمانينات وانهيار الاتحاد السوفياتي، ولكن هذا الحزب كما التنظيمات اليسارية الأخرى يعاني من التشتت وفقدان التنسيق، رغم المرحلة التاريخية المهمة التي تمر بها المنطقة.
وضع حزب «تودة» جميع إمكاناته لصالح تقوية النظام الجديد بعد انتصار الثورة عام 1979. وساهم هذا الحزب في مساعدة بقايا جهاز السافاك ومخابرات الجمهورية الجديدة في إنشاء ما يسمى «ساواما» وهو جهاز المخابرات والأمن الإيراني. وتتهمه بعض أطياف المعارضة بالوقوف ضد جميع القوى المناهضة للنظام، حيث أوشى بآلاف الأشخاص وأرسلهم إلى الموت، كما دعم النظام الإيراني في الحرب مع العراق إبان الثمانينات.
ولكن رغم هذا فقد قام نظام الخميني الجديد وبعد استقراره النسبي بقمع «مجاهدين خلق» والأكراد والعرب الأهوازيين والأذريين والترکمان والآخرين، وأعقب ذلك بشن حملة شاملة ضد حزب «تودة» فنفذ إعدامات جماعية لقادته واعتقل الآلاف من عناصره ومناصريه. على سبيل المثال في 27 أبريل (نيسان) 1983، تم اعتقال نحو 670 من کوادر وقادات حزب «تودة» وأعدم ما يزيد عن 30 منهم في نفس الوم، منهم ضباط وعسكريون كانوا منظمين في الخلايا العسكرية لحزب «تودة»؛ وأنا شخصيا سبق وأن التقيت ببعض منهم في سجن «إيفن» في السبعينات إبان حكم الشاه، كالسادة ذو القدر وباقر زادة وشلتوكي وغيرهم.
بعد هروب فلاديمير كوزيتشكين رئيس مكتب الاستخبارات الروسية «كي جي بي» في طهران وطلبه اللجوء من بريطانيا عام 1982، كان قد سرب قائمة بقيادات وأعضاء حزب «تودة» مما أدى إلى تفكك الحزب وإعدام قادته. كما أعدم النظام وزر الخارجية صادق قطب زادة و121 من ضباط القوة الجوية، بتهمة المشاركة في محاولة انقلاب عسكري ضد النظام، من ضمنهم صديق الطفولة في عبادان الضابط سلطاني.
رغم ذلك، فإن اليسار الإيراني لا يزال يشكل من الناحية الفكرية قوة كبرى تمتلك برنامجا سياسيا للعدالة والمساواة، وله نشاط إعلامي مؤثر. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يستطيع اليسار الإيراني (الفارسي) أن يلعب دوره ويؤدي رسالته الثورية، ويرفض الهمنة الفارسية ويعمل مع سائر قوى المعارضة، وخاصة قوى الشعوب غير الفارسية المضطهدة، لإيجاد ائتلاف واسع من أجل تغيير النظام؟
أرى أن الرؤية التي دفعت بحزب «تودة» للوقوف إلى جانب الخميني ما زالت تتحكم فيه، حيث إن هذا الحزب واليسار الإيراني عموما يدافع عن نظام بشار الأسد الدموي في سوريا، كما يفعل معظم اليسار العربي التقليدي، ويدعم التدخل الروسي في سوريا، زاعما أن النظام الديكتاتوري في دمشق هو علماني، وأنه السد المنيع في وجه «داعش» والقوى التكفيرية الأخرى. وبالنسبة لموقف التيار اليساري من إسقاط النظام الإيراني، فإن القسم الأكبر منه قد تخلى عن خطاب إسقاط النظام، وفي أحسن الأحوال انضم للتيارات المطالبة بالإصلاح، لا بل سقط قسم منه في أحضان النظام، وهذا القسم لا يدافع عن نظام بشار الأسد فحسب، وإنما أيد حتى عمليات القتل والتهجير التي نفذها الحرس الثوري الإيراني وجيش الأسد والقوات الروسية في مدينة حلب مؤخرا، بقيادة الجنرال قاسم سليماني.
ولعل أبرز الشخصيات اليسارية الإيرانية التي تحدثت عن هذه الكارثة الإنسانية وأيدت التدخل الروسي – الإيراني في سوريا، البروفسور عباس ميلاني، أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة ستانفورد الأميركية، والذي قضيت معه شخصيا فترة السجن في طهران. والطريف أنه كان مستشارا لأوباما في الشؤون الإيرانية، وبمعية زملاء له من نفس المنهج، لعب دورا ملموسا في إقناع إدارة أوباما بالتوصل إلى اتفاق مع طهران حول أنشطتها النووية. وهؤلاء جميعا لا يزالون يعارضون إسقاط النظام الإيراني.
إن الوضع المأساوي لليسار الإيراني لا ينتهي عند هذا الحد، حيث يقف بعضهم وليس جميعهم، إلى جانب نظام الملال فيما يتعلق بمناقشة مطالب الشعوب غير الفارسية، ولا سيما حقها في تقرير مصيرها، ويتذرعون بأن تحقيق هذا الهدف سيؤدي في نهاية المطاف إلى تفكك الدولة الإيرانية ونشوب حرب عرقية داخلية.
وهذا الموقف اليساري لطالما ساعد النظام الإيراني على البقاء؛ لأن تاريخ الحركات في إيران خلال أربعة عقود مضت، أثبت أن أي قوة لا تستطيع وحدها إسقاط النظام، فلا القوى الفارسية وحدها ولا قوى الشعوب غير الفارسية بمفردها يمكنها تحقيق هذه الغاية، لذا لا بد من توحيد صفوف أطياف المعارضة كافة في جبهة واسعة، تشمل جميع الأقاليم في إيران، لتضم جميع المكونات العرقية والمذهبية، بغية تأسيس ائتلاف واسع وقوي لكي يتمكن من تغيير موازين القوى لصالح المعارضة. إن تنظيمات وأحزاب الشعوب غير الفارسية لديها تحرك جدي وفاعل، وفقا لمشروع حقيقي قابل للتنفيذ، يهدف القضاء على نظام شديد المركزية، وإيجاد نظام ديمقراطي علماني فيدرالي غير مركزي على أنقاضه، تساهم جميع الشعوب في تأسيسه وتتعايش في ظله بشكل طوعي، بعيدا عن الصراعات. وعلى قوى المعارضة الإيرانية بجميع أطيافها، بدءًا من أحزاب اليسار إلى الديمقراطيين و«مجاهدين خلق» وغيرهم، استغلال هذه الفرصة وطرح بديل حقيقي لتخلص جميع الشعوب في إيران من هذا النظام القمعي الذي يمارس الإرهاب الداخلي، ويصدر نماذج مدمرة منه إلى المنطقة والعالم بأسره. ولكن لا يمكن تحقيق هذه الغاية دون تلقي المعارضة الشاملة مساعدات إقليمية ودولية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية