“المسداة”.. آلةٌ تغزل الدفء.. وتهزم “البرد القارس”
218TV.net خاص
أحلام المهدي
كانت المسداة كغيرها من قطع الأثاث في البيت الليبي، فلم يكَد يخلو منها أي بيت من بيوت الجبل في غرب البلاد، فقد فرضت البيئة القاسية هناك على الأمهات أن يخضن معارك شرسة لفرض الدفء الذي كان البرد القارس يجعله حلما بعيد المنال، فجاءت هاتان العارضتان الخشبيتان اللتان تتوسطهما قطع أخرى مختلفة الأحجام والأشكال، ليكون نصبهما في بيت إحداهن طقسا خاصا تشارك فيه الجارات وبعض نساء القرية، وكأنهن جميعا يشهدن بوادر نصر ستحققه إحداهن على عدوٍّ مشترك.
تلعب النساء كل الأدوار في هذا العرض المُبهر، فيكتفي الرجل بجزّ صوف الأغنام، لتستلمه المرأة كما هو، وتبدأ معه رحلة الإنجاز، فتنظفه، وتُمرِّرُ كل قطعة منه على “القرداش”، لتتحول هذه القطع النظيفة الناعمة إلى اسطوانات هشّة، يتلقّفها “المغزل” فيوصل أطراف نهاياتها أثناء دورانه، ليصنع منها خيوطا رفيعة، تتأهب بشغفٍ لتتعانق بين دفتيّ “المسدا”، فتولد “البطانية” التي تهزم فلول البرد، ويولد “الجرد” الذي يتوسّد أكتاف الرجال والفتيان هناك.
أما اليوم ، فقد اكتفت هذه الرفيقة المخلصة بالظهور الخجول في بعض المعارض المدرسية، ومعارض جمعيات الحفاظ على التراث، فاختفت باختفائها من البيوت كل القيم التي دشنتها يوما، لكن الجميل في الأمر هو أن بعض البيوت لازالت تحافظ عليها، فيما كل البيوت في كل مدن وبلدات الجبل، لا تخلو من رموز وأيقونات الدفء والهويّة التي غزلتها “المسداة” ذات يوم.