المستبد العادل !!
طه البوسيفي
كنت من أولائك الذين صدقوا ونادوا في يومٍ ما أننا في ليبيا نحتاج إلى ذلك الحاكم الذي بالإمكان تعريفه بجملةٍ واحدةٍ ومن كلمتين (المستبد العادل) انطلاقاً من فهمٍ صرتُ أراه اليوم معتلاً وقاصراً بأن معمر القذافي كان قوياً مستبداً لكنه لم يكن حاكماً عادلاً . جزءٌ من ضعف هذا الفهم هو أننا كنا سبقنا مفهوم الاستبداد على مفهوم العدل مع أننا كنا في أحوج ما نكون إلى عدل وأبعد ما نكون إلى استبداد
كبرت ، نضجت (قليلاً) ، وعرفت الآن أن العدل والاستبداد نقيضان لا يجتمعان ، بل يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان ولن يلتقيا أبد الدهر، لأنه وبكل بساطة في الطرح مفهوم الاستبداد من حيث هو يشتمل على كلماتِ التعسف والظلم والعدوانية والفردانية في اتخاذ القرار في جميع الأمور وبالأخص في قضايا الحكم ، وهذه الكلمات تحمل في ظاهرها فضلاً عن طياتها معاني لا يمكن أبداً من أي وجه من الأوجه أن توضع في جملة واحدة مع العدل ، تلك الكلمة العظيمة السامية النقية التي تمثل نقطةً فاصلةً في مشروعية وجود أي حكم . وحسبنا على هذا الكلام ما قاله القاضي أبو الحسن الماوردي المتوفى سنة 450 للهجرة عندما قرن شرعية الحاكم بشرط إقامته للعدل وإلا فلا شرعية لحكمه ، وأضيف أيضاً جملة تنسب لغير واحدٍ من المتأخرين وهي أن العدل أساس الحكم .
إن المستبد لا يحب أن يرى في الكون إلا نفسه ، يشتاط غضباً إن هو رأى الرؤوس مطلةً والهامات عاليةً والنفوس عزيزةً ، فكما يقول الكواكبي في طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد إن الاستبداد أصلٌ لكل فساد وإن المستبد يود أن تكون رعيته كالغنم دراً وطاعة، وكالكلاب تذللاً وتملقاً .
المستبد لا يمكن أبدا أن يرى الشعب سيداً على ترابه ، مصدراً للسلطة ، يختارُ بملء إرادته الحرة من يحكمه ، أو الطريقة التي يريد أن يحكم بها ، وأعرج قليلاً هنا على مفهوم الحكم والذي لا أعني به مفهوم القضاء بل مفهوم تسيير الأمور لغرض خدمةِ مصلحة المواطن العليا ، المستبد يرى الناس عبيداً خلقوا كي يكونوا خدماً يتحركون في بلاط السلطان …
كيف نطالب اليوم بجمع النقيضين ؟
إنني في خضم هذه المعمعة السياسية وهذا الفراغ والخواء في منصب الرئيس أو في من يتخذ القرار الحاسم الجريء الذي يخدم الصالح العام لا ألوم المنادين بالمستبد العادل نظراً لحالة الإحباط التي يمرون بها ولأننا لم ندرب أنفسنا على مفهومٍ غير هذا المنتشر اليوم ، ولم نملك التجربة السياسية لنطالب بحاكم قويٍ عادل يخدم الشعب ، وظيفته أن يكون يداً تمسح عن الليبيين تعبهم وليس كفاً يصفع وجوههم ويمرغ أنوفهم في التراب .
إننا اليوم نحتاج إلى القوي الذي لا يجور ولا يتجاوز الحد ، نحتاج إلى المنصف الذي يزن الأمور ويضعها في نصابها ، نحتاج إلى الحاكم الذي لا يجرد الحكم من محتواه المبني على الحق والعدل ونبذ الظلم والطغيان ، المبني على المشاركة السياسية والفاعلية في اتخاذ القرار ليبتعد الأمر عن خانة الفردانية والوحدانية وأن يكون القرار العام جماعياً وألا يحيل السلطةَ إلى ملك شخصيٍ يعامله كأداةٍ ووسيلةٍ يمارس من خلالها عطشه للحكم وتوقهُ إلى إخراج عقده النفسية على البسطاء الذين يتوقون إلى حالٍ غير هذا الحال .