المسار الدستوري.. “طوق نجاة” ليبيا
خاص 218| خلود الفلاح
أكد عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الدكتور البدري محمد الشريف أن استكمال الحوار السياسي سيُجنّب البلاد المزيد من الفوضى. مع ضرورة الضغط على الجهات التي تعرقل عملية الاستفتاء على مشروع الدستور. ويقول الشريف من المهم جدا إنهاء المرحلة الانتقالية.
في هذا الحوار تحدث ضيفنا الدكتور البدري محمد الشريف عن طرحه لخيار العودة للملكية والخيار الفيدرالي على أعضاء الهيئة التأسيسية للدستور ولكن طرحه لم ينل قبول أعضاء الهيئة.
ـ في العام 2017، تم إقرار مسودة مشروع الدستور بموافقة 43 عضوا. ما هو مصير المسودة اليوم؟
ـ نعم. لقد تم إقرار مشروع الدستور من الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في 29 /7/2017 من عدد 43 صوتا أي بأغلبية تزيد عن الثلثين موزعين على كل المناطق والدوائر الانتخابية. تم إحالة مشروع الدستور لمجلس النواب من أجل إصدار قانون الاستفتاء، والذي وفقا للاتفاق السياسي يجب أن يتوافق عليه كل من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وللأسف لم يتم ذلك حتى الآن بسبب تعنت مجلس النواب ومماطلته. نحن نأمل أن يتم الضغط على مجلسي النواب، والدولة للتوافق على قانون الاستفتاء في أقرب فرصة، واستكمال المسار الدستوري بإجراء عملية الاستفتاء على مشروع الدستور.
ـ برأيك كيف يتم الاستفتاء على دستور في ظل هذا الانقسام السياسي والصراع العسكري؟
ـ ليبيا تعيش الآن واقعا صعبا دون شك من حالة الانقسام والتشرذم، لا بد من استكمال الحوار السياسي من أجل إيقاف نهائي لحالة الاحتراب الداخلي، وتوحيد مؤسسات الدولة، والتوجه نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة المدنية، وهو ما نأمل أن يتحقق في أقرب الآجال. جميع المبادرات التي تصدر الآن ومن جميع الأطراف تتحدث عن انتخابات برلمانية ورئاسية، وعملية الاقتراع واحدة. أي أنه إذا كان بالإمكان إجراء الانتخابات فإنه بالإمكان أيضا إجراء الاستفتاء، فالعملية واحدة.
من هنا فإنه من المهم جدا إنهاء المرحلة الانتقالية، والانتقال إلى الوضع الدائم باستكمال المسار الدستوري وإجراء عملية الاستفتاء. البحث عن قواعد قانونية خارج استكمال المسار الدستوري وعملية الاستفتاء يعني استمرار الأزمة، وتدوير واجهات السلطة الحالية، واستمرار الصراع بكل مآسيه. الاستفتاء على الدستور ينهي كل الإشكاليات العالقة، ويحل كثيرا من المشاكل محل الخلاف. فالدستور مثلا ينص على أن الدولة وحدها تحتكر السلاح، والجيش قوة وطنية قائمة على الانضباط والتراتبية، مبنية على أسس وطنية بعيدا عن الجهوية، ويخضع للسلطة المدنية. كما أن الدستور يقوم على اللامركزية الموسعة، وتتمتع وحدات الحكم المحلي بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال المالي والإداري. ويؤكد مشروع الدستور على العدالة الاجتماعية والتنمية بما يضمن إزالة الاختلال التنموي بين المناطق.
في جميع الأحوال الدستور ليس نصا مقدسا حيث إنه يمكن تعديله في المستقبل وفقا لمقتضيات التغيير، والتطور يكون أكثر إمكانية في ظل دولة يحكمها الدستور من دولة تعيش مراحل انتقالية وحالة من الفوضى وعدم الاستقرار كما هو عليه الحال الآن في ليبيا.
ـ هناك من يطالب بهيئة جديدة لصياغة مشروع دستور جديد. هل هذه المطالبات ستدخل البلاد في المزيد من التعقيد والتأزم؟
ـ إذا ما نظرنا إلى التجربة القريبة بدول الجوار مثل الجزائر، فإننا نلاحظ بأن عملية التغيير بعد السيد بوتفليقة قد مرت بسلاسة، بسبب التزامهم بما ينص عليه الدستور. وكذلك الحال في تونس، فبعد وفاة السيد قائد السبسي ثم إجراء الانتقال السلمي والسلس للسلطة بالتزامهم بالدستور وكذلك الحال عند انتهاء مدة المجلس الانتقالي فقد تم التسليم السلمي للسلطة للمؤتمر الوطني وفقا للإعلان الدستوري المؤقت. كذلك الحال الآن.
علينا الالتزام بما ينص عليه الإعلان الدستوري، وخاصة أن الهيئة التأسيسية هي هيئة منتخبة بالاقتراع السري المباشر، وتمثل كل المناطق الليبية. الهيئة التأسيسية وبعد مخاض عسير، وعقد الكثير من ورش العمل بحضور العديد من الخبراء الوطنيين، والدوليين، وبعد لقاءات كثيرة بمنظمات المجتمع المدني، وبعد الاستماع إلى الكثير من الآراء بعقد لقاءات مباشرة بمختلف المدن الليبية، استطاعت أن تصل إلى توافقات دستورية وأن يصوت على مشروع الدستور ممثلي مختلف المناطق الليبية في الشرق، والغرب، والجنوب.
فما هو باعت الدعوة إلى تشكيل هيئة جديدة؟ هذا سؤال يطرح. لكن لا إجابة له سوى أن الهدف هو إطالة الأزمة، وإطالة المرحلة الانتقالية، وزيادة تأجيج الصراع بدل إنهائه. كيف لمن يحترم ويطالب بدولة القانون، أن يطالب بتجاوز القانون والمتمثل في الإعلان الدستوري؟ خاصة وكما ذكرت آنفا أن الهيئة هي هيئة منتخبة من قبل الشعب الليبي بالانتخاب الحر السري المباشر، وممثلة لكل المناطق والدوائر الانتخابية، ومناط بها وفق الإعلان الدستوري إنجاز مشروع الدستور وقد أنجزت مهمتها بنجاح.
علينا احترام الإعلان الدستوري واستكمال المسار الدستوري كما نص عليه الإعلان الدستوري المؤقت، وإنهاء المرحلة الانتقالية والانتقال إلى المرحلة الدائمة، وبناء مؤسسات الدولة بدل هدر المزيد من الوقت وتعريض بلادنا إلى مزيد من الانقسام والتشظي.
ـ كيف سنحقق اتفاقاً على مسودة الدستور والليبيون منقسمون بين الملكية، وسبتمبر، وفبراير؟
ـ المجتمع الليبي كغيره من المجتمعات البشرية به تعددية فكرية، وسياسية، وليس هناك مجتمع في الدنيا يتفق جميع أبنائه على رؤية واحدة. من هنا كانت الآليات الديمقراطية هي الحل والتي تعني إجراء الاستفتاء والانتخابات ليحدد الشعب خياراته.
لقد طرحت بالهيئة التأسيسية خيار العودة للملكية، وأيضا الخيار الفيدرالي، ولم ينالا قبولا من غالبية أعضاء الهيئة وفشلا في عملية الاقتراع، حيث صوتت الأغلبية ومن كل المناطق الانتخابية بما يفوق الثلثين لصالح مشروع الدستور. على كل حال فإن مشروع الدستور المعتمد من الهيئة الـتأسيسية بني على مبادئ المواطنة والمساواة، ولا تمييز بينهم وفق المادة السابعة من مشروع الدستور. من هنا فإن جميع الليبيين على اختلاف توجهاتهم يضمن لهم الدستور حرية العمل السياسي، وإقناع الناس برؤاهم بالوسائل السلمية. مشروع الدستور يؤكد على انتهاج الآليات الديمقراطية في تسيير شئون الدولة وعلى التداول السلمي للسلطة.
في جميع الأحوال علينا التمسك بالنهج الديمقراطي، واحترام القانون، استكمال المسار الدستوري، ولنترك للشعب حق الاختيار، فلا أحد وصي على الشعب ولا يحق لفرد أو جماعة أن تتحدث باسم الشعب وتصادر حقهم في الاستفتاء.
ـ حق المرأة في منح الجنسية لأبنائها في حال تزوجها بأجنبي، أسوة بالأجنبية إن تزوجها ليبي، أحيل للقانون لينظمه. هذه المادة انتكاسة وعودة للوراء. مارأيك؟
ـ الحقيقة أن مشروع الدستور أعطى للمرأة الليبية مركزا مهما في نصوصه المختلفة، فمشروع الدستور أعطاها نفس الحقوق التي يتمتع بها أخيها الرجل، فقد نصت المادة (7) من مشروع الدستور “المواطنون والمواطنات سواء في القانون وأمامه ولا تمييز بينهم وتحظر كافة أشكال التمييز”. هذا النص قد ورد في باب المقومات الأساسية للدولة، وهو بحسب طبيعته يعد من المواد الحاكمة بحكم الدستور. ويؤكد هذا النص بشكل صريح بأن الحقوق التي يتمتع بها الآباء الليبيون، هي نفس الحقوق التي تتمتع بها الأمهات الليبيات، ولو حدث أن صدر قانون يمنع منح الجنسية لأبناء الليبية المتزوجة من أجنبي، بإمكانها الطعن في ذلك القانون أمام المحاكم لأن ذلك يعد مخالفا للدستور.
كما تجدر الإشارة بأن المادة (13) تنص “تكون المعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادقة عليها في مرتبة أعلى من القانون وأدنى من الدستور..” وحيث إن ليبيا مصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة: القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة بسيداو (CEDAW) التي تنص المادة (9) منها فقرة 2 “تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها”. من هنا فإن مشروع الدستور ينصف المرأة الليبية، ويعطيها الحق في حصول أبنائها على الجنسية الليبية كحق دستوري.
ـ مصطلح (حظر التحريض على الكراهية) ترك فضفاض دون إشارة واضحة للفرق بين خطاب الكراهية وحرية التعبير. كيف ترى المسألة؟
ـ حظر التحريض على الكراهية نص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقرة (2) من المادة (20) “تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف”، لذا فإن ما ورد بمشروع الدستور يتماشى مع المواثيق الدولية بالخصوص. ونصت المادة (37) من مشروع الدستور (حظر التحريض على الكراهية، والعنف، والعنصرية على أساس العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الجنس، أو الميلاد، أو الرأي السياسي، أو الإعاقة، أو الأصل، أو الانتماء الجغرافي، أو غير ذلك من الأسباب)، من هنا فالأمر واضح ولا يمس بأي شكل من الأشكال بموضوع حرية التعبير، فقد أولى مشروع الدستور الحريات العامة ومنها حق التعبير أولوية كبيرة وفي نصوص متعددة.
ـ نصت المادة (163) على إنشاء مجلس أعلى للإعلام والصحافة. هل يمكن أن نعتبر ذلك خطوة إيجابية؟
ـ نعم. إنشاء مجلس أعلى للإعلام الصحافة يعد خطوة إيجابية في تعزيز حرية الرأي والتعبير، وإعطاء دور للصحافة في لعب دور مهم في نشر المعلومات، ومراقبة أداء أجهزة الدولة المختلفة، في الرقي بالمستوى الثقافي للمجتمع. تجدر الإشارة هنا إلى أن مشروع الدستور الليبي يعد سباقا ومتميزا بين الدساتير العربية في حماية الصحفيين من كل أشكال الابتزاز التي قد يتعرضون لها، حيث نصت المادة (38) حرية الصحافة والإعلام ” …. ولا يجوز الحبس الاحتياطي في قضايا الصحافة” وهذا النص يعد تعزيزا لحرية الصحافة والإعلام.
ـ هل ساهم خطاب الكراهية في وسائل الإعلام الليبية في زيادة حدة الصراع؟
ـ نعم للأسف فإن وسائل الإعلام الليبية في أغلبها ساهمت في تأجيج الصراع داخل ليبيا، وأغلبها لم تكن محايدة، وساهمت بشكل ما في التحريض مما أدى إلى زيادة حدة الصراع. أتمنى أن يقوم الإعلام الليبي بدور إيجابي في إعادة اللحمة الوطنية، والدفع نحو إنهاء الصراع وبناء السلام والاستقرار في ليبيا.
ـ قانون العدالة الانتقالية وفق المادة (181) يحتاج إلى تعديل وتوضيح أكثر بحسب المهتمين بالشأن السياسي. هل تتفق مع هذا الرأي؟ وهل الفكر القبلي والجهوي سيمنع تحقيق عدالة انتقالية في الواقع القريب؟
ـ موضوع العدالة الانتقالية موضوع مهم جدا، وهو في الدول التي خاضت حربا أهلية يرتبط ارتباطا وثيقا بالمصالحة الوطنية، وهناك تجارب دولية كثيرة في هذا الشأن منها تجربة جنوب إفريقيا، وتجربة دول أمريكا اللاتينية، كذلك تجربة ما كان يسمى بدول أوروبا الشرقية، هذا إلى جانب التجربة العربية في الجزائر، والمغرب. عالج مشروع الدستور هذا الموضوع بشكل موضوعي. بحيث ترك المجال مفتوحا أمام هيئة العدالة الانتقالية والمصالحة بتولي هذه المهمة، بحيث تتولى تصميم وتنفيذ برامج العدالة الانتقالية في إطار المصالحة الوطنية الشاملة.
أما فيما يخص الفكر القبلي والجهوي ومدى تأثيره، أعتقد أن تكوين هذه الهيئة وفق مشروع الدستور، والذي يضمن تمثيل مكونات المجتمع الليبي، والحياد، والاستقلال. سيمكن هذه الهيئة من تحقيق أهدافها بإذن الله.
ـ ما شكل المصالحة التي تحتاجها ليبيا؟
ـ ليبيا في حاجة إلى مصالحة وطنية شاملة. والشعب الليبي له رصيد تاريخي هائل في الصراعات والمصالحات. وفي رأيي إذا ما أقر مشروع الدستور وتشكلت هيئة العدالة الانتقالية والمصالحة وفق ما جاء بالمشروع، فإن ليبيا ستتمكن من تجاوز أزمتها وبالتالي يتحقق السلام والاستقرار.