المرادفات والمساخر
نورالدين خليفة النمر
كلمة ليبية في الشاعر يڤتوشينكو
نصرخ اليوم نحن الشغوفون حياتنا بالكتابة في الأدب مثل ماصرخ بيرتولد برشت فنكتب مثله ” أي زمن هذا الذي يكاد يُعد فيه الحديث عن الأشجار جريمة “الزمن الذي عناه برشت هو زمن الحرب الذي نعيشه كليبيين اليوم .. والأشجار هي الأشياء التي هي غير الحرب كالموسيقى
والشعر والأدب الذي صار الحديث والكتابة فيهما مجلبة للأِثم ومسبباً لنا عقدة ذنب ممن يجلدوننا بسوط التأنيب ” نحن في الهّم وأنتم تتكلمون على الشكولاطة” …
يرجع شغفي بالأدب الروسي وكتّابه في القرن الـ19 تولستوي ـ ديستويفسكي ـ تشيخوف …الخ إلى صيف السنة الأولى الثانوي 1972 .الثورة الثقافيةعام 1973 التي منعت الكتب ومنها التي تتعلّق بأي سبب روسي ماركسي وقيصري من كتابات غوغول وبوشكين حتى يڤتوشينكو الذي قرأت عنه بالصدفة مقالين تقريباً في مجلة الآداب في صيف عام 1973 وعام 1974 أجد بالصدفة في كشك تحت حائط السراي الحمراء يبيع الكتب إلى جانب السجائر والمكسّرات والعلكة والحلوى كتيّباً بحجم الكف لمختارات من اشعاره قدّم لها الشاعر آدونيس ونشرتها في بيروت تقريباً دار مجلة حوار المشبوهة بالمخابرات الامريكية CIA، ويبدو أن دفتر الشعر نجى من مذبحة الثورة الثقافية .. سدّدت ثمن الكتاب وطول مشيّا بل جرياً إلى الحوش بيتنا كالذي عثر على كنز … الترجمة قدّمت لي الشاعر بشكل مقبول لمست فيه روح ماياكوفسكي صوريته التي حجبتها الأهتمامات الأيديولوجية وإيقاع يوميته المضاد للسائد السياسي الذي أدّى به إلى الأنتحار ،إلتحاقي بجامعة بنغازي عام 1974 والأغتراف من مكتبتها التي لم تطالها يدّ الثورة الثقافية المشئومة جعلني أتبحّر في الأدب الروسي كلاسيكييه وحديثه تبحرّي عبر الترجمة التي كانت غنيّة كان مفاجئاً لآساتذة عرب عملوا في قسم اللغة الروسية بكليتي اللغات كالسوري نوفل نيّوف والعراقي سعدي المالح كتبوا أطروحاتهم في الأدب الروسي وترجموا بعض نصوصه إشتهر الشاعر يڤتوشينكو إلى جانب شاعريته بآدائه التمثيلي المسرحي لشعره على الخشبه وهو ماتصنّعه بعض الشعراء العرب كمظفر النواب فتكلّفوا ولم يفلحو ..
في بداية رئاسة غوربتشاوف التي أوفدت يڤتوشينكو للدعاية للأنفتاح والبروسترويكا ولتمثيل الاتحاد السوفياتي في مناسبات ثقافية في الخارج وفي وقت كانت العلاقات الروسية ـ الليبية في آخر حميمياتها الآشتراكية قامت السفارة الروسية بتنظيم مناسبات ثقافية في طرابلس إستهدفت بها جاليتها والجانب الرسمي الليبي كعرض مسرح ميرخولد لمسرحيتين لتشيكوف ،أصابني الحظ أن أتسلل إلى واحدة منها بواسطة صديقى الكاتب السوري نوفل نيّوف الذي أمّن لي بطاقة دعوة بضمانته من السفارة الروسية، وعرض لفرقة البولشوي للباليه ،وإستضافة الشاعر يوفتشنكو لألقاء أشعاره في حفل لم نسمع به، في وقتِ كنا فيه في حالة مجاعة وإرهاق ويأس من كل شئ مثلما هي حالنا اليوم بعيدين عن الفن والشعر بعد شعر يڤتوشينكو عن ضمة القشة والمجرودات الشعرية ! البدائية التي لها تقريباً علاقة بالأدب الشعبي والتي كُنّا نراها ونسمعها كل يوم في قناة الدولة الجماهيرية و رمزها “القنفذ” بعد نشرة الأخبار التي تزيد مساحة بثها التلفزيوني ساعة كاملة مقتصرة في مجملها الرتيب الممّل على عروض “إستقبل الأخ القائد ودّع الأخ القائد” .
جرّاح القلب الليبي ـ الآميركي الدكتور هاني شنيّب الذي يستيقظ على رحيل يفغيني يڤتوشينكو خبراً في “النيويورك تايمز” الذي مات فقط عندما جاءه موته في مدينة تولسا الامريكية بعمر يناهز83 سنة يكتب مقاله في موقع “ليبيا المستقبل” تحت عنوان : .يڤتوشينكو والمرادف الليبي الساخر؟ تجاوباً مع حكايتنا القاتلة من حكايات ألف ليلة وليلةالليبية التي لآأعتقد أن جرّاح القلوب في جنة الآحلام الآميركية سمع بها أوحتى حلم بها .