المخاطر الكبرى على الشعب الليبي
الدكتور سالم الهمالي
خمسة أخطار داهمة تُشكل تهديدا وجوديا لما يُعرف بِـ (دولة ليبيا) ومعيشة شعبها. هذه ليست نبوءة أو تنجيما بل قراءة فاحصة لأوضاع ستكون كارثية على الشعب الليبي، ما لم يتدارك أمره، ويُعجّل من إنقاذ نفسه. متوالية التردي لا حدود لها، والعقل والحكمة هو السبيل الوحيد لتفادي السقوط في براثنها.
* الأول (المرض والموت)
المرض بمختلف أنواعه، عدا عن أن ليبيا تمتلك بنية ومرافق صحية ضعيفة، فهي تتصدر دول العالم في عدد الموتى نتيجة حوادث السيارات، وبالتالي ينعكس هذا على أعداد الجرحى. إغلاق المنافذ البرية والمطارات يضع الخدمات الصحية داخل ليبيا على المحك، خصوصا القطاع الخاص الذي أصبح العمود الفقري للخدمات مع الإهمال والقصور في دعم المستشفيات العامة. ما يفاقم الأزمة ظروف الحرب المستمرة وما تستهلكه من وقت وجهد وثمن بشري ومادي تعجز عن مواكبته أفضل الأنظمة الصحية في العالم.
وباء كورونا فاقم تردي الأوضاع، فحالة الخوف والرعب بين الناس كلّفت الدول المتقدمة ما يعادل (٢٠-٣٣٪) من أطقمها الطبية، وبذلك يصبح من المستحيل إمكانية معالجة الحالات وفق الإمكانيات المعروفة الآن. كما لا يمكن إغفال أن ما يطلبه الليبيون من معدات وأجهزة وأدوية من الخارج يشهد تكالبا واستنزافا دوليا نتيجة كثرة الطلب وقلة العرض، بما يترتب عليه نقص في هذه المواد داخل البلاد.
* الثاني (الفقر والعوز)
الفقر والعوز أصبح حقيقة واقعة، يجهلها فقط المصابون بعمى البصيرة، فكيف لمن ٩٥٪ من مصدر دخله مغلقا أن يحصل على دخل ؟! .. وإذا كان ذلك لا يكفي الواهمين، فبالتأكيد هم معزولون عن سماع أخبار البترول وتناقص الطلب على سلعته، بما هوى بأسعاره إلى أقل من النصف. بذلك يمكن توقع أن الفقر والعوز والحاجة ستظهر أعراضها بجلاء خلال أشهر قليلة، إذ أن الوسيلة الوحيدة لاستمرار صرف الرواتب سيكون عبر السماح من مجلس الأمن باستغلال ثروة سبتمبر المجنبة، أن تصل إلى أيدي الليبيين. أخمن أن الدول التي تعاني نتيجة الأزمة العالمية ستجد ألف طريقة وطريقة لمنع إصدار قرار أممي بالشأن، وإذا افترضنا أن ذلك ممكنا، فاللصوص متأهبون للانقضاض عليها كما كانوا يفعلون طوال السنوات الماضية، عابثين بثروة تقدر بمئات المليارات ذهبت هباء منثورا.
الجوع والفقر ينتظر الليبيين بلهفة، وهم يمتون الخطى نحوه …
الاحتياطي المخزّن من الأغذية قد يغطي فترة من ستة أشهر في أحسن الظروف وثلاثة في الأرجح عند الخبراء، خصوصا أن أيادي المفسدين هي التي تمسك مفاصل الاقتصاد الليبي، وبذلك يمكن أن يتسرب؛ إما خارج الحدود بعمولة بخسة أو باحتكار تجار مضاربين أكثر خساسة.
التجربة الحالية، تعطي بعض الإشارات عن القادم، فقيمة ٥٠٠ مليون دينار قالت الحكومة إنها خصصتها لمواجهة أخطر وباء تكافحه البشرية تناهشتها أيدي سماسرة جشعين، فذهبت هذرًا مذرا … (لالنا بالفلوس ولانا بالأدوات والدواء).
العالم حولنا، تجمدت أوصاله وذلك سينعكس حتمًا على إنتاج وإمدادات الغذاء والدواء، وليبيا لا تنتج أيا منهما، وحتى الآن لا توجد حتى إشارات إلى أنهم أعدوا خططًا لمواجهة وضع أصبح وقوعه شبه اليقين.
* الأمن (الفوضى والحرابة)
قد يقول قائل: نحن نعيش الفوضى والحرابة الآن، فما الجديد ؟!… لكن لكل هولاء، أقول تذكروا ما سمعتموه من أجدادكم عن (الفلاقه)، مع الجوع والفقر وبانعدام الأمن تنتشر عصابات الجريمة، وهي موجودة بكثرة ووفرة تمتلك مختلف أنواع الأسلحة ووسائل التنقل، لتنهب أرزاق الناس وممتلكاتهم، فمن سيردعهم والحال كما تعرفونه.
البعض تغافل عن البيانات التي أصبحت تصدر بأسماء بلديات، وهي مهام أصيلة للدولة (الغائبة) لا يمكن أن ينازعها أحد فيها، فهذا يغلق حدوده ٢٤ ساعة وذلك ١٨ ساعة، والآخر ركِب (دال ٨) وسدّ المداخل والمخارج، وأصبح معزولا وكأنه جزيرة في بحر … لجي في ظلمات ثلاث (الجهل والحماقة والغباء).
أين السجون التي تعزل أعتى المجرمين وتكف أيديهم عن إيذاء الناس، فحتى الدول العظمى تفرج عن بعضهم، فما بالك بالواهنة الضعيفة التي تملك منهم الآلاف ولا تستطيع ردعهم ؟!
نعم هناك فوضى في البلاد الآن، لكن ما أحذر منه هو (الفوضى العارمة)، الكل ينهش الكل، القوي يأكل الضعيف، حوت يأكل حوت ورقيق العزم يموت.
* خطاب الكراهية
مخزون رهيب تراكم خلال أعوام، صُبَّت فيه أفحش وأبغض اللغات، تفرق الليبيين وتبعث بينهم النعرات والخصومات والتحزبات، وكل شيء كريه ومقيت. قنوات إعلامية هابطة تردت بالخطاب إلى مستويات في أدنى دركات الباطل، استهدفت المدن والمناطق والقبائل والأعراق، بل يمكن أن أقول ببساطة إنها لم تستثنِ شيئا على الإطلاق، بما يهدم أركان المجتمع ودعائمه.
للشعب الليبي تجارب ناجحة، إذ اعتمد الآباء والأجداد مبدأ القطع مع الفترات الحالكة تحت شعار نبيل … حتحات على ما فات !!
استطاعوا من خلاله عبور عنق الزجاجة والولوج إلى عهد إنشاء الدولة وترسيخ بنيانها.
ليبيا في حاجة ماسة إلى رجال عظام، يحملون على أكتافهم أعباء ثقيلة، لتكن ظهورهم جسورا يعبر عليها الناس من ديجور الجاهلية والبغضاء إلى نور الإسلام وسلامة الأوطان.
* الحدود (دول الجوار)
جائحة كورونا أصابت النظام المالي والاقتصادي العالمي في مقتل، فأربكت منظومة التمويل وأوقفت عجلة الاقتصاد في دول العالم المتقدم، وما من شك أن ذلك سينعكس على الدول النامية، خصوصا تلك الآهلة بالسكان. ليبيا قليلة التعداد، غنية الموارد نسبيا، مؤهلة أن تكون وجهة لأفواه تبحث عن أرزاقها، عند شعب يدمر بلده ويقتل أولاده ويعبث بأرزاقه.
بدون دولة موحدة وتوافق بين مواطنيها، لا يمكن مواجهة تلك المخاطر، وتأطيرها بما يخدم مصلحة الشعب الليبي وشعوب دول الجوار في ذات الوقت.
العالم سيتشكل بنظام عالمي جديد، والضعفاء فيه هم أول الضحايا … وليبيا على رأس القائمة، فاحذروا يا أولي الألباب.