المأساة الليبية والمفترق الحاسم
علي الرحيبي
*** على مدى أكثر من تسع سنوات كانت كرة النار والدم تتدحرج على الأرض الليبية بأشكال متعددة.
* دونما خوض في تفاصيل ما جرى وأسبابه ونتائجه…. إلخ يمكننا تقرير حقيقة عامة لا يمكن أن يتجاهلها أو ينكرها كل من يمتلك وعيا وبصيرة… تتلخص في أن الصراعات الداخلية الليبية خضعت – بشكل أو بآخر – لإدارة وتأثير المحاور الإقليمية والمشاريع الدولية بمصالحها المتصارعة على الأرض الليبية.
* يرافق هذه الحقيقة حقيقة عملية أخرى تتمثل في أن أدوات الصراع رغم الأيادي الخارجية المتدخلة في الصراع وإدارته كانت أدوات محلية في الغالب (مع هامش لعناصر ومجموعات مقاتلة تصنف في الغالب كبنادق مستأجرة). بل حتى السلاح الذي كان يتدفق على الأطراف المتصارعة كان في أغلبه مدفوع الثمن من الأموال والموارد الليبية المتاحة لدى كل طرف. من الأطراف المحلية المتصارعة
ولذلك فإن كل الأطراف الخارجية كانت تحرك الصراع دون أن تكتوي أصابعها به بشكل مباشر.
*** الآن وعلى تخوم (سرت) والفيافي المحيطة بها حيث تتواجه الصفوف والإصبع على الزناد يبدو لي أن الصراع قد اقترب من مستوى جديد آخر… مستوى تترجح فيه بشكل كبير احتمالات الصدام المباشر بين المحاور الإقليمية المتصارعة
– وبصرف النظر عن حسابات موازين القوى بين هذه الأطراف ودون الانجرار إلى مماحكات لا قيمة لها حول من هو الطرف الأقوى والمرشح للانتصار!!! – فإن المهم هنا أن ندرك أن المشهد صار يحتشد بالبوارج والأساطيل ومنظومات الهجوم والدفاع بتقنياتها الإلكترونية العالية ومقاتلات الجيل الرابع والخامس من الرافال إلى الـ”إف 16″ إلى السوخوى 35 وما بينهما… وهي معدات وأدوات ليس بوسع الموارد الليبية المتاحة لدى الأطراف الليبية المتصارعة توفيرها وليس بوسع الخبرات المحلية إدارتها أو استعمالها.
وهذا يعني ببساطة أن الأطراف الخارجية ستكون هذه المرة أمام خيارات الانخراط المباشر في الصراع على نفقتها وبأساطيلها وأسلحتها وجنودها وأن أصابعها ستكتوي بناره بشكل مباشر بكل ما يعنيه ذلك من تكاليف وأعباء وأثمان باهظة وما يترتب عليه من نتائج تمس واقعها الداخلي … وذلك ما سيضطرها حتما لإجراء حسابات دقيقة جدا قبل المغامره بهكذا خطوة… إضافة إلى أن أي مواجهة من هذا النوع وبهذا الحجم وفي هذه المنطقة البالغة الحساسية من العالم سيكون أمرا بالغ الخطورة مهددا للسلم والتوازنات الدولية ويصعب ضبط حدود انفجاره بدرجة تهدد بخروجه عن السيطرة … وهذا يجعل الجميع يحسب حسابات دقيقة ويبذل كل الجهد لتلافي تطور الأمور إلى هذا الاحتمال الخطير (وأي متابع لحجم التحركات السياسية وسرعتها بوسعه أن يلاحظ ذلك)
*** وبناء على هذه الاحتمالات الخطيرة وهذا المستوى الذي تدحرجت إليه كرة النار والدم الليبية ينطلق ماراثون البحث عن تسوية سياسية تنزع فتيل الانفجار.
والوعي بخطورة الوضع يجعل الأطراف الإقليمية المتصارعة تبحث بجدية عن توازنات وحلول تحقق لكل هذه الأطراف قدرا من مصالحها… وستفرض هذه الحلول إذا ما نجحت هذه الجهود على الأطراف الليبية التي لن يكون أمامها إلا تنفيذ ما تم التوافق عليه إقليميا ودوليا.
***. هكذا تبدو الأمور على أبواب سرت وبواديها الواسعة حيث تقف المأساة الليبية أمام مفترقها الحاسم
وللأسف ليس بيدنا – نحن أبناؤها – مهما اختلفت مشاربنا وقناعاتنا إلا الضراعة لله أن يحفظ أهلنا وبلادنا وأن يهيئ لنا أمر رشد وهدى!!!!