الليبيات .. في حلبتي الثورة والسلطة
عبدالواحد حركات
الصرخة الآمرة Dégage) / ارحل ) والصفعة المهينة والمحطمة “كما ورد” التي وجهتها الشرطية “فادية حمدي” لوجه “طارق محمد البوعزيزي / بسبوسة” بعد مصادرة بضاعته بمساعدة معاونيها في ولاية “سيدي بوزيد” التونسية، صباح الجمعة “17 ديسمبر 2010 “، افتتحت زمنا عربيا جديدا مفعما بالتغيير ومؤثثا بالرفض والآلام والعنف والانتقام وأحلاما فئوية محبطة .. واختيار “البوعزيزي” للموت وإحراق جسده غضباً، بدل ارتداء الفستان بعدما صفعته امرأة، جعل من الموت خياراً رائجاً بكل الأساليب عوضاً عن مكابدة الحياة والتذلل لأجلها، ومهادنتها أو تناول غصاتها ومعاشرتها حتى النهاية، بالبوعزيزية الحازمة جعلت (بضم الجيم) الثورة فعلا يوميا لا متجه.
وطئت “فادية” على العصب العاري، ووضعت آخر قطرة بكأس الصبر، ومنحته فرصة استثنائية لمد فيضانه بأرجاء كثيرة وبعيدة، وجسدت “عن غير قصد ونية ” الظهور الأول للأنثى “حواء” في ملحمة التغيير، وانضمت إلى قائمة النساء المفجرات للحروب، وصارت “هيلين تينداروس أو سعاد بنت مُنْقِذ أو بوديكا الإيكينية” العصر بطريقة ما ..!!
صرخة الــ ” Dégage) / ارحل ) الفاديوية خسفت بــ”بن علي” وألحقت به “مبارك والقذافي وصالح” .. ولازالت تطارد وتهدد سواهم وتقض مضاجع كثيرة .. ووجود “فادية” بقبعة النظام على ضفة الديكتاتورية قابله وجود نسائي آخر على ضفة الربيعيين .. وجسدت “أسماء محفوظ ونوارة نجم وسالي زهران وسلوى الدغيلي وسلوى بوقعيقيص” الظهور الأنثوي المساند والفاعل والمشارك في أحداث التغيير الشرق أوسطي السريع المطلبي منزوع الأيدلوجية.
لا توجد صرخات نسوية خاصة داخل زخم المطالب الربيعية، ولكن لوجود النساء تأثير في الأحداث والصراع السلمي والمسلح، الذي لازال دائراً ومستمراً في كل مكان بالعلن أو بالخفاء، وللنساء غايات وأهداف ومطامح متباينة أو ذات طبيعة خاصة تختلف عن المطالب العامة التي يفصح بها الجميع .. واختلاف واقع وتفاصيل حياة المرأة التونسية عن المرأة المصرية وعن المرأة الليبية يفرق بين المطالب والأماني ويمنع الجمع والتوحيد بشكل كامل.
النساء الليبيات شاركن في أحداث الثورة، وحملن السلاح مساندات لها ومعارضات .. وقتلت نساء كثيرات خلال الأحداث في ظروف مختلفة وبأماكن وأزمان مختلفة .. فقد كان للمرأة الليبية وجود حقيقي وفعال لم يتوقف أو يخف تأثيره في مجريات الأحداث السلمية والمسلحة، ولكن دخول الليبيات معترك السلطة تم بأسلوب تقليدي تابع لم يفصح عن هوية المرأة أو يعبر عن قضاياها أو يتوافق ويتناسب مع مشاركتها في التغيير.
لعل .. زمن التغيير وأحداثه وصراعه المسلح أرغم الرجال الليبيين على تقبل وجود المرأة ومشاركتها، ومنحها فرصة المشاركة في التأسيس للسلطات بشكل صريح متتابع، دون الحاجة إلي زمن كفاح ونضال نسوي مستقطع .. فكان وجود المرأة ضمن منظومة السلطة الانتقالية تحصيل حاصل .. وحيازتها لجزء من مقاعد السلطة حق معترف به منطقياً، كفله وجود المرأة الفاعل ومواكبتها المستمرة للأحداث ولكنها وبكل بساطة أضاعت الفرصة وتجاهلتها ..!!
فقد شكلت النساء “سلوى الدغيلي وانتصار العقيلي” جزءاً ضئيلا من المجلس الوطني الانتقالي، وانفردت “هنية القماطي” باستثناء مريع في المكتب التنفيذي، إلا أن المرحلة الحرجة لم تسترع انتباه أحد إلي ضرورة وجود تمثيل لائق للمرأة داخل السلطات “التشريعية والتنفيذية ” حينها .. ومن ثم أسند إلى “فاطمة الحمروش ومبروكة الشريف” حقيبتين وزاريتين في الحكومة الانتقالية التي ترأسها “عبد الرحيم الكيب” ، وعندما بدأ التحضير لانتخابات المؤتمر الوطني العام، بعد الصدور المفاجئ لقانون الأحزاب “مايو/2012 ” تنبه اللاعبون السياسيون إلى أهمية مشاركة النساء وتأثيرهن في مجريات اللعبة السياسية، فسعى الجميع إلي فرض نسبة للنساء داخل المؤتمر الوطني، وإقرار منحهن حق الترشح للمقاعد الفردية أسوة بالرجال ..!!
أثناء انتخابات المؤتمر الوطني – التجربة الانتخابية الأولى- كانت نسبة الإناث تشكل ” 45% ” أي حوالي ” 585000 امرأة ” من الناخبين المسجلين ، وترشحت وقتها ” 600 -امرأة” ضمن الأحزاب وبالنظام الفردي، وعند بدء الانتخابات انخفضت النسبة إلى ” 39% ” وتوجهت ” 507000 – امرأة ” إلى مراكز الانتخابات في حين امتنعت ” 78000 – امرأة ” عن الإدلاء بأصواتهن نتيجة ظهور المسلحين أمام مراكز الاقتراع ، ووجود شبهات تلاعب وغياب الشفافية وتناقص الثقة ولأسباب أخرى ..!!
أسفرت انتخابات المؤتمر الوطني العام عن فوز “33 – امرأة” شكلن “16.5%” من السلطة التشريعية، التي شكلت حكومة مؤقتة مكونة من “33” وزارة ترأسها “علي زيدان” ضمت “إكرام باش إمام” وزيرة للسياحة ، و “كاملة المزيني” وزيرة للشؤون الاجتماعية ، وبعد انتهاء مدة المؤتمر الوطني وانتخاب البرلمان شغرت النساء “30 مقعدا” من إجمالي “188 مقعدا”، بنسبة 16% من إجمالي المقاعد البرلمانية، ولكن برغم هذه النسبة الجيدة لم تظهر فاعلية النساء في البرلمان، ولم يشرع البرلمان أي قوانين لصالح المرأة ويضع حساباً لوجودها في الصراع المستعر، الذي مازالت وستظل النساء الليبيات أكثر وأكبر المتضررين من استمراره، فستعاني النساء الليبيات مآسي مريرة بعد انتهاء الصراع، وستكون المرأة الليبية مطالبة بخوض صراع وجودي كبير بعدما يصمت السلاح، فالنساء هن الثكالى والأرامل واليتامى الأقل حظاً في مجتمع اعتاد اللامبالاة بالأوجاع الإنسانية الصامتة.
إن أمام الليبيات موسم طويل وصعب ..!