الكونغرس: «الإخوان» تهديد للأمن القومي
د. جبريل العبيدي
جماعة «الإخوان» تشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي. نتيجة انتهى إليها تقرير لجنة فرعية للأمن القومي في الكونغرس الأميركي، لم تكن بحاجة لهذا الوقت الطويل للخروج بنتيجة مفادها أن تنظيم «الإخوان» يشكل تهديداً على الأمن القومي، في حين تتوفر المعلومات والأدلة والإثباتات الاستخباراتية الأميركية خاصة، والكفيلة بحسم الأمر في دقائق، وليس بعد سنوات وعقود عانت فيها دول العالم من عنف الجماعة وإرهابها.
وبعد تصنيفها تنظيماً إرهابياً في كثير من البلدان، جاء الإعلان هذه المرة أميركياً ولو جزئياً، فقد أعلنت لجنة الأمن القومي بالكونغرس أن جماعة «الإخوان» تشكّل تهديداً للأمن القومي الأميركي، وهو أمر لم يكن في حاجة لإهدار الوقت والجهد، وخاصة أن أدلة التورط في الإرهاب كانت واضحة وعلنية، وتكاد تكون بعلم المخابرات الأميركية، التي تتهم باستخدامها للتنظيم في بعض سياساتها ومشاريعها؛ بل إن البعض ذهب إلى القول إن ما يجري قد يكون مجرد مناورة أميركية لابتزاز التنظيم لتقديم تنازلات، وإن الإدارة الأميركية ليست جادة في إدراج التنظيم ضمن قوائم الإرهاب؛ نظراً لحاجة المخابرات للتنظيم في اللعب ببعض الأوراق. وهذا يتناغم مع ما قاله رئيس لجنة الأمن القومي، رون ديسانتس، إن «الإخوان المسلمين» «تنظيم إسلامي مسلح، له جماعات تتبعه في 70 دولة»، وإن بعض هذه الجماعات تصنفها الولايات المتحدة على أنها إرهابية. وقال: «إن سياسة واشنطن أخفقت في التصدي لنهج العنف لدى تنظيم (الإخوان) الإرهابي، ودعمه لجماعات متشددة».
استخدام التنظيم وفروعه لم يكن قاصراً على المخابرات الدولية؛ بل إن أنظمة ودولاً استخدمته للتخلص من الخصوم السياسيين، بدءاً من الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، الذي استخدمهم في مواجهة نفوذ قوى اليسار والناصريين المعارضة لسياساته منذ عام 1972، وكان هذا بمثابة توظيف لهذا التنظيم للتخلص من الخصوم، على الرغم من أن هذا انتهى بمقتله على يد الجماعة ذاتها، التي تستخدم المنهج البراغماتي، وليس لها صديق دائم؛ بل مصلحة دائمة.
تنظيم «الإخوان» المبتدع دينياً والفاشل سياسياً، هو في الأصل صناعة بريطانية، في زمن غابر كانت السياسة البريطانية في حاجة لاختراق المجتمع العربي والإسلامي، بتنظيم يعادي من ناصبوا العداء للسياسة الاستعمارية التوسعية لبريطانيا خاصة، والحاجة لوجود تنظيم تستطيع استخدامه، وتطويع الشباب من خلاله، ويكون تحت رعايتها.
ومما ساعد في انتشار التنظيم، اتخاذه العمل «الدعوي» ذريعة لنشر أفكاره، وهو ما مكّن التنظيم من سهولة الانتشار واستقطاب الأعضاء، والأصدقاء، والمحبين، والمتعاطفين.. التنظيم الذي لا يخفي تبنيه لأفكار متشددة، ومنها أفكار سيد قطب، التي استنسخها عن المفكر الهندي أبو الأعلى المودودي، والتي تبنى فيها مفهوماً مبتدعاً سماه «الحاكمية»، مما برر لأنصاره الاعتداء واستباحة حتى المساجد والمصلين، بالعنف الذي يمارسه الجناح السري أو الخاص للتنظيم، وخاصة أن التنظيم يخفي جناحه السري، ولا يطلع عليه سوى أعضاء الجماعة المقربين أو المنتمين للجناح السري والعسكري خاصة، والمكلف المهام الخاصة، بعد اتساع رقعة عمل التنظيم الخاص أو السري، منذ اغتيال القاضي الخازندار واغتيال النقراشي باشا في مصر، حتى أصبح التنظيم الخاص يشكل نفوذاً وقوة داخل الجماعة نفسها، وكثيراً ما تنازعت قياداته وتنافست على الزعامة وتخلص بعضها من بعض، رغم أن اللائحة الداخلية لـ«الإخوان» طبقا للمادة 9، تقول إن المرشد العام هو الرئيس الأعلى للجماعة، ويرأس في الوقت نفسه جهازي السلطة فيها، وهما مكتب الإرشاد العام، ومجلس الشورى العام، ويقوم بانتخابه مجلس الشورى العام، ومجلس الشورى العام هو السلطة التشريعية، وقراراته ملزمة، ويتألف من التنظيمات الإخوانية المعتمدة في مختلف الأقطار. وطبقا للمواد 49 إلى 54 في النظام الأساسي لـ«الإخوان»، فإن على قيادة الأقطار الالتزام بقرارات القيادة العامة، متمثلة في المرشد العام ومكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى، مما يؤكد أن التنظيم عابر للحدود، ولا يحترم سيادتها؛ بل هو أشبه بدولة داخل الدول؛ حيث يرتبط أعضاؤه ببيعة الولاء والطاعة العمياء للمرشد، الأمر الذي يشكل خطراً مباشراً على الأمن القومي للبلدان التي يتم اختراقها من قِبل هذا التنظيم.
رغم أن خطوة لجنة الأمن القومي في الكونغرس تعتبر خطوة مهمة، فإنها في حاجة إلى خطوات عملية أخرى، تنتهي بحظر التنظيم وإدراجه كتنظيم إرهابي، أسوة بالدول التي اكتوت بنار العنف والإرهاب التي تورط فيها هذا التنظيم. ولكن يبقى السؤال: هل فعلاً هناك إرادة دولية حقيقية للتخلص من هذا الورم الخبيث، المتمثل في تنظيم أئمة الشر، أم أن هناك من لا تزال لديه رغبة في وجود التنظيم واستخدامه، حتى ولو عبر ابتزازه بالحظر؟