الكذبُ ليس كذباً
فرج عبدالسلام
يعرف الكثيرون أن ترامب مادةٌ خصبة للكتب الفضائحية منذ اعتلائه سدّة الرئاسة الأميركية، والذي لا شك فيه أن هذه الكتب ستتركُ أثرا سلبيّا على الناخب الأميركي في الاستحقاق الرئاسي في نوفمبر القادم. ولعل هذا الناخب بالإضافة إلى كثيرين حول العالم من أمثالي الذين يودّون معرفة كيف توصل شخص بكل هذه المواصفات السلبية إلى رئاسة الدولة الأكثر قوة وديموقراطية في العالم. وهكذا فكل هؤلاء في لهفة لقراءة ما سيكون كتابا مشوّقا وفضائحيا بمعنى الكلمة وهو كتاب Disloyal الذي ذهب البعض إلى ترجمته بـ “الخائن” وإن كانت الترجمة الأقرب هي “غير مُخْلص” فالمؤلف هو المحامي السابق لترامب مايكل كوهن، الذي عمل معه لفترة طويلة قبل أن يكون رئيسا، وبالتالي يعرف عنه كل كبيرة وصغيرة، ولهذا يُطلق عليه تسمية (the fixer) أي مدبّر الأمور أو حلاّل المشاكل، وكمثال على المشاكل التي كان يحلّها، فقد دفع كوهين مبلغا من المال لنجمة الأفلام الإباحية “ستورمي دانيالز” لكي لا تعلن عن علاقتها بترامب أثناء فترة خوضه للرئاسيات. وكوهين بعد خروجه من السجن يحمل كراهية شديد للرئيس بسبب تخليه عنه وما قاله في حقه من سوء، وسيفعل ما بوسعه للانتقام منه وتخريب مخطط إعادة انتخابه.
بيد أن الكتاب الجديد “الغضب” الذي يصدر في منتصف هذا الشهر قد يكون الأكثر تدميرا لترامب، لأن صاحبه هو الصحفيّ الأميركيّ الأسطوريّ “بوب وودوارد” الذي ذاع صيته عندما كشف في صحيفة الواشنطن بوست عما عُرف بفضيحة ووترغيت التي أدت في النهاية إلى إسقاط الرئيس الأميركي نيكسون عام 1972
وقد سرّبت دار النشر مقتطفات من كتاب “غضب” منذ أيام وهي تقدّمُ تفاصيل رهيبة – وفي بعض الحالات غير عادية – حيث يستندُ الكاتبُ المخضرم إلى 18 مقابلة مسجّلة أجراها مع ترامب إمّا وجها لوجه في البيت الأبيض أو عبر الهاتف، بالإضافة إلى محادثات مع آخرين في الإدارة.
وقد يكون “غضب” أهم كتاب لبوب وودوارد منذ كتابه “كل رجال الرئيس” الذي يتعرض إلى تاريخ فضيحة ووترغيت. ويقول العارفون بدهاليز السياسة الأميركية حول ما عرفوه حتى الآن من الكتاب إن ترامب قام بعملٍ بارع فشنق نفسه بحبل من عنده، وإن البيت الأبيض لن يمكنه ترديدُ الإنكار المعتاد ضد “غضب” لأن ترامب نفسه، وبصوته، هو المصدر الرئيسي للكتاب.
وعلى سبيل المثال فإحدى أكثر تصريحات ترامب لوودوارد تدميرا، عندما أخبره في أوائل فبراير أنه يعلم أن فيروس كورونا ينتشر عبر الهواء وأنه أكثر فتكًا بكثير من الإنفلونزا. وهذا يتناقض مع الأكاذيب التي يعلنها ترامب على الملأ ويتناقض مع استبعاده المتكرر لخطورة الفيروس، وازدرائه المتعجرف لارتداء الأقنعة، ما ساهم بالتأكيد في المذبحة الأميركية التي خلفها الفيروس القاتل حيث أصيب الملايين وتوفي ما يقرب من مائتي ألف.
لعل من المثير للاهتمام ما نقله وودوارد عن وزير الدفاع السابق جيم ماتيس ووزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون والمدير السابق للاستخبارات الوطنية دان كوتس الذين يرسمون صورة رهيبة لعالم ترامب، حيث يقول كوتس عن ترامب: “بالنسبة له الكذب ليس كذبا. إنه مجرّد ما يعتقده. فهو لا يعرف الفرق بين الحقيقة والكذب”.
يُجمع المراقبون أن ترامب كان يعتقد أن بإمكانه بالحديث إلى وودوارد أن يجذب المؤلف ويقنعه برؤيته للعالم، لكن هذا ما لم يحصل، فلم يتنازل الصحفي عن حقه في نقل الحقائق للجمهور كما هي دون تلميع أو تزييف، وهذه هي رسالة الصحافة الحقيقية كما أثبتها المخضرم وودوراد في العديد من كتبه.