القطراني والمجبري واللاءات الثلاث
طه البوسيفي
اللاءات الثلاث، مصطلح اشتهر في السياسة، وأطلق من السودان في قمة عربية جاءت بعد هزيمة 67 أو ما سميت لاحقاً بالنكسة، حينها كانت الدماء ساخنة والعروق مشدودة فقرر العرب إطلاق لاءاتهم الثلاث: لا سلام مع إسرائيل، لا تصالح مع إسرائيل، ولا اعتراف بإسرائيل.
كان وقع هذه اللاءات كبيراً في نفوس العرب والعروبيين والمواطنين في الجغرافيا عموماً، ببساطةٍ لأن شعوب المنطقة تعشق المسكنات، وتنبهر بالشعارات، وتنخدع بالجعجعات التي ليس لها طحين، مرت السنون وشاهدنا كيف صارت اللاءات الثلاث نسياً منسياً وكلاماً مرسلاً وبهلوانيات لفظية لا تسمن ولا تغني من جوع، فأنظمة طبعت وأنظمة صالحت وأنظمة هادنت، كلهم كانوا كذلك إلا من زمرةٍ ظلت متمسكةً بالشعار الرنان الذي لم يكن قادراً على تجميل الخور والضعف والهوان، ولم يكن قادراً على مواجهة الدليل القوي الصارخ بأن أصحاب هذه الشعارات يلجئون إليها لتغطية ضعفهم ومواراة عجزهم.
مرّ على اللاءات الثلاث نصف قرن وعام، إلى أن شاهدنا تقريباً صورة مطابقةً لمخرجات قمة الخرطوم عقب النكسة من أعضاء تمت تسميتهم بالمجلس الرئاسي، واحد منهم أصر واستكبر، والآخر تماهى وتراجع، كلاهما بث خلال أشهر المقاطعة لاءاته المتكررة، وعناوينه الرنانة التي تعزف على وتر (البرقاويين جداً) وقدما لهم وجبةً ساخنةً من نقد المجلس الرئاسي، ووصفه بمختلف الأوصاف، من بالضعيف ـ الهزيل ، المرتنح، إلى المرتهن، وأحياناً الخائن، أو هكذا يوحون، باختصار هما قدما ما يطلبه المستمعون.
في مقابل هذا الصراخ والنواح والجعجعات، لم يحرك السراج ساكناً، ولم يلقي الرئاسي بأعضائه الخمسة_فاعلين وشكليين_ لهم بالاً، ظل يعمل، يسافر، يصرف الأموال، يقر بعض السياسات، ظل يتصرف باعتباره جسم سياسي يرمي بأوراقه التفاوضية وباعتباره يمثل رأس حكومةٍ معترفٍ بها تملك المال وتتصرف في بيت مال المسلمين، وظل يتخذ مواقف، ويدلي بتصريحات بعضها تفنن في استفزاز أصحاب اللاءات الفارغة القطراني والمجبري وبعث لهما برسائل مفادها: بمقدورنا أن نعمل من دونكما، فقط كونوا أوفياء للاءاتكم .
وسط هذه المعامع تبدد حلم تعديل هيكلية الرئاسي وتقليص أعضائه، نجح السراج في وأد جانبٍ من الفكرة المشوهة بتعديلاتٍ وزارية عقب خلخلة اللواء السابع لكرسيه في أغسطس 2018، أما الجانب الآخر فتكفل به عقيلة الذي عوّد جمهوره على أن يضرب بيدهِ لا بيد عمر !! وما بين الجانبين تكاسل نوابٍ وعدم جدية آخرين، في النهاية وخلاصة الخلاصة الرئاسي بشكله الحالي صامد ومستمر في عمله إلى أن يقضي الله أمراً.
بقاء الرئاسي بكراسٍ تسعة، وتفتيت مسعى التقليص، وبُعد النواب عن دائرة الفاعلية لصالح تقدم الدولة وسد بعض الفراغ، جعل من برقة خارج سلطة صناعة القرار داخل المجلس، هذا إذا ما استثنينا العماري غير المؤثر، فالقطراني والمجبري لم يفلحا رغم العصي التي كانا يضعانها في دواليب الرئاسي أن يلبساهُ لبوس الفشل أمام من أيد الوفاق وراهن عليه، فلم يجدا من سبيل اليوم بعد إجهاض كل مسعىً للتقليص سوى فتح باب الحوار وإجراء اتصالات مكثفة للرجوع إلى المجلس كي لا يكونا خارج الزمان والمكان خاصةً بعد أن تحول القطراني من شخص يمثل مؤسسة عسكرية يريد ضمان بقائها إلى شخص منفرد يتحرك بمعية بعض أعضاء مجلس النواب الفاقدين لأدوات التأثير.
قيل قديماً: إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا.. فما حيلة المضطر إلا ركوبها.
لا حيلة أمام اللاءات سوى أن ترضخ وتتحول مكرهةً إلى نعم، فما حيلة القطراني والمجبري إلا ركوب فرقاطة الرئاسي مجدداً، هذا إذا ما لم يحدث ما يستوجب التغيير في خارطة سياسية دائمة التغير فاقدة التغيير، كثيرة التأثر قليلة التأثير.