القطاع النفطي.. ضحية الصراع السياسي مجدداً
لم يكن إعلان عدد من المواطنين في منطقة الزويتينة الواقعة في الهلال النفطي وحقل الفيل جنوباً إغلاق الحقول والموانئ النفطية حدثاً مفاجئاً لمراقبي الشأن الليبي، في ظل ارتفاع حدة الاستقطاب السياسي والتوتر الميداني الذي يقف على أعتاب الانزلاق للعنف وإعادة مشهد الحرب الأهلية، مع تواري مطلب إجراء الانتخابات وتحوّل منصب رئاسة الحكومة لقطب الرحى في الأزمة الليبية المتداخلة والمعقدة، والتي فاقم من حدتها قرار المؤسسة النفطية إحالة 8 مليارات دولار من العوائد النفطية لحسابات الإيراد العام لدى مصرف ليبيا المركزي.
تحوّل القطاع النفطي لورقة في الصراع السياسي رافق الأزمة الليبية في بداياتها، وتعرضت المؤسسة الوطنية للنفط التي تحتكر عمليات الإنتاج والتصدير عبر شركائها لضربات موجعة أثّرت على البنية التحتية للقطاع، وفاقمت المصاعب الفنية التي أدت إلى تضاؤل مستويات الإنتاج ومراكمة المشاكل التي أعاقت العودة بمستويات الإنتاج إلى ما قبل عام 2011، وهي مشاكل ألقت بظلالها على الاقتصاد الليبي الذي يعتمد بشكل كلي على عوائد بيع الطاقة في تغطية ميزان المدفوعات وتوفير النقد الأجنبي، مما يجعل ملف الطاقة النفطية ورقة ضغط رابحة وشديدة الحساسية على الصعيد الوطني.
بوادر إغلاق الحقول والموانئ النفطية ظهرت في بيان أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 عن المنطقة الشرقية الذين علقوا عضويتهم في اللجنة، ودعوا بشكل صريح ومعلن إلى إغلاق الموانئ النفطية للضغط باتجاه استلام الحكومة الليبية برئاسة باشاغا للسلطة، وتمكينها من دخول العاصمة طرابلس، وهي دعوة بدت للوهلة الأولى بالونة اختبار للمجتمع الدولي الذي يقف على أصابع قدميه عقب الحرب الروسية الأوكرانية متأثراً بأزمة الطاقة العالمية التي رفعت أسعارها لمستويات قياسية، وأثرت سلباً على خطط التعافي الاقتصادي لما بعد كورونا، إلا أن ضآلت الإنتاج النفطي الليبي الذي لم يتجاوز أعتاب 1.2 مليون برميل تجعله ذا أهمية ثانوية مقارنة بأسواق بديلة.
وأتت الخطوة التي بدت حتى اللحظة محدودة إلا أنها تنبئ بالتوسع مع انتظار ردة فعل البعثة الأممية والخارجية الأمريكية، التي شددت في أكثر من مرة رفقة دول 2+3 على ضرورة تحييد المؤسسة النفطية عن التجاذبات السياسية والمحافظة على استقلالها وحيادها، وسط إشارات أوروبية على تحويل ليبيا لوجهة مستقبلية لإمدادات الطاقة مع وعود باستثمارات كبيرة في الصناعة النفطية الليبية، وهي مواقف على حزمها إلا أنها قد لا تثني الأطراف الفاعلة على استغلال الملف كورقة ضغط ذات صدى خارجي خاصة في ظل فشل حكومة باشاغا في الحصول على أي اعتراف رسمي، في ظل إجماع دولي بالذهاب إلى انتخابات وطنية بقاعدة دستورية توافقية تقودها البعثة الأممية.
مساعي باشاغا لدخول طرابلس وصلت ذروتها مؤخراً مع ترتيبات عسكرية وأمنية واتصالات مكثفة يجريها الأخير للدخول إلى العاصمة، إلا أنها باءت عملياً بالفشل رغم استمرار حالة الترقب وتوسع خيارات الدبيبة الذي ربح ولاءات واسعة، ونسج تحالفات مع تشكيلات مسلحة مستغلاً المال العام الذي ينفقه ببذخ غير مسبوق على شراء الولاءات والتخويف من مآلات سيطرة حكومة باشاغا على مقاليد السلطة.
تحديات دفعت بالأزمة الليبية إلى حدودها القصوى مع تصاعد التوتر وتعطيل الإنتاج النفطي، الذي يُمثّل عصب الاقتصاد الليبي، وبين كل ذلك يغيب أفق الحل السياسي رغم الاجتماعات المكثفة التي تشهدها القاهرة بين اللجنة المشتركة المعنية بالتوافق على القاعدة الدستورية المنجزة للانتخابات والتي تعقد اجتماعاتها بسقف توافق متدني تحيله سنوات من الحدية السياسية بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، لتبقى تطورات الأزمة معلقة على ردة فعل الأطراف الدولية الفاعلة في المشهد الليبي والتي تضبط إيقاع الصراع وحدته بين الأخوة الأعداء.