القصف الروسي يؤلم ..وداعش ترد
بقلم : باتريك كوكبيرن
مرة أخرى يستخف العالم بقوة ووحشية تنظيم داعش، الذي دأب على الرد على أي هجوم عليه باستهداف المدنيين وقتلهم بطريقة تضمن أوسع تغطية إعلامية ممكنة. حدث ذلك قريبا في تركيا في العاشر من أكتوبر، عندما قتل انتحاريو داعش 102 من المشاركين في تظاهرة سلمية متضامنة مع الأكراد. في نهاية يونيو وفي بلدة كوباني السورية، انتقم انتحاريون من داعش للهزائم التي ألحقها بهم السورين الأكراد، بقتل نحو 220 من الرجال والنساء والأطفال. وفي العراق أخبر شيخ عشيرة البونمر صحيفتنا كيف قُتل 864 من قبيلته لمقاومتهم تقدم تنظيم داعش.
كان من المتوقع أن ينتقم داعش للقصف الجوي الروسي في سوريا الموجه ضد تنظيمات ترتبط بالقاعدة، مثل جبهة النصرة، وأحرار الشام. لكن المخطط الموضوع بدقة لتدمير طائرة روسية بركابها الـ 224 بزرع قنبلة فيها في 31 أكتوبر وضع الحكومات الغربية ووسائل الإعلام أمام معضلة تتعلق بالنشر.
كان التنظيم يسعى حثيثا لإقرار دعاية تقول إن الحملة الجوية الروسية تتجنب قصف مواقع داعش وتركز قصفها على تنظيمات المعارضة السورية المعتدلة وتلك المدعومة من قبل الدول الغربية، والتي تسعى لإزالة الرئيس الأسد من السلطة. ونادرا ما تُذكر حقيقة أن المعارضة السورية المسلحة في شمال غرب سوريا مُسيطر عليها من جبهة النصرة، وأحرار الشام.
تنظيم داعش لا تساوره أية شكوك بأن الضربات الجوية الروسية التي بدأت في الثلاثين من سبتمبر موجهة له في الأساس، لأن عملية وضع قنبلة على طائرة في شرم الشيخ تتطلب أسابيع من التخطيط، وثمة فهم خاطئ آخر يتعلق بالقصف الروسي في سوريا ضد الجماعات الجهادية والسلفية، وهو أنه أقوى بكثير من أي قصف قام به التحالف بقيادة الولايات المتحدة، ففي أحد الأيام دشن الروس 59 غارة جوية، بينما لم يقم التحالف إلا بـ 9 غارات.
هناك حدود تواجه استخدام القوة الجوية الأميركية في سوريا والتي قد لا تكون ظاهرة للعيان على الفور، حتى لأولئك الذين يفحصون البلاغات التي تصدرها وزارة الدفاع. فمن بين 9 غارات نفذت في 6 نوفمبر، حددت ثلاثة منها على أنها بالقرب من "حوال" وهي مدينة سورية حيث تقاتل وحدات الدفاع الشعبي الكردية تنظيم داعش، وغارتين بالقرب من مدينة الحسكة، ويبدو أنها أيضا لدعم المقاتلين الأكراد، والأربع الباقية بالقرب من أبو كمال، بالقرب من الحدود العراقية السورية، التي توصف بأنها نقطة تجميع النفط الخام لداعش.
يتماشى هذا الموقف مع تركيز الحملة الأميركية على مساعدة المقاتلين الأكراد لمقاتلة داعش، وأيضا مهاجمة المرافق التي يسيطر عليها داعش في شمال شرق سورية. وبالكاد تُنفذ أية غارات على التنظيم عندما يخوض معارك ضد الجيش السوري، لأنه قد يُفسر بأنه مساعدة للأسد بالبقاء في السلطة. لكن هذا ليس له معنى ، فالمفترض أن السياسات الأميركية والبريطانية تسعى إلى إسقاط الأسد، والحفاظ على الدولة السورية أيضا. ويفترض أن يكون هذا مخالفا لما حدث في العراق عندما قادت الولايات المتحدة غزوا في 2003 لإسقاط صدام حسين، لكنه أسقط الدولة أيضا وفتح المجال أما جماعات مقاتلة سنية، وظهور القاعدة في العراق.
كان من الصواب أيضا لو أن القوى الجوية الأميركية هاجمت داعش عند تقدمها في مواجهة الجيش السوري طوال العام الماضي، لأن هذا الجيش هو المؤسسة الأكثر أهمية في الدولة السورية، وإذا لم يرغب الأميركيون وحلفاؤهم مثل البريطانيين في إعادة نمط الفوضى الكارثية التي نجمت عن تدخلهم في العراق، فيتعين عليهم دعم الجيش السوري في قتاله لداعش.
من جديد، تجري عرقلة قرارات السياسة العقلانية ، بسبب النظرة للموقف على الأرض في سوريا الذي غالبا ما يتأثر بالدعاية والشعارات. وفي هذه الحالة، فإن ادعاء المعارضة السورية بأن الجيش السوري لم يقم في الواقع بأي قتال حقيقي ضد داعش، وأنه متواطئ في مسألة نمو التنظيم وتوسعه. هذه الرؤية تجد لها الكثير من المناصرين، وإن كان الواقع يتعارض معها، لأن داعش قاتل الجيش السوري وألحق به الهزيمة مرات عديدة في شرق سوريا. لقد احتل "تدمر" في مايو، وزحف إلى عدة أميال من الطريق الرئيسة التي تربط دمشق بحمص، ومؤخرا نجح ولو لبضعة أيام في قطع آخر طريق تسيطر عليه الحكومة ويقود إلى حلب قبل أن يطرد من مواقعه من قبل الجيش السوري بدعم من الضربات الجوية الروسية.
ترجمة فرج عبد السلام عن مجلة: counterpunch