الفن حالة إنسانية.. 218 تغوص في عالم الفنان الليبي عادل جربوع
خاص 218| خلود الفلاح
عادل جربوع فنان تشكيلي ليبي. يؤمن أن المكان الذي يعيش فيه الفنان له تأثير كبير على أعماله. هذا المكان بعاداته وتقاليده وفنونه وثقافاته المختلفة. كل هذه الأشياء لها حضورها في اللوحة التشكيلية.
لوحاته تحمل أفكارا كثيرة ومختلفة وإن كان الإنسان المحور الرئيسي لكل لوحاته وكأنه الحقيقة التي يبحث عنها. في هذا الحوار يتحدث التشكيلي عادل جربوع عن المرأة والموسيقى عن حضور أشياء الإنسان وغيابه في اللوحة.
ـ من أين تستمد لوحاتك أفكارها؟
ـ فكرة العمل الفني تأتي من إحساس الفنان بأشياء كثيرة ومتعددة من حياة الفنان ومحيطه والمجتمع الذي يعيش فيه وكل ما يؤثر في هذا المحيط يؤثر في الفنان بشكل أكبر وأقوى، لأن الفنان جزء من هذا المكون وبالتالي ثقافة المجتمع الذي ولدتُ به لها تأثيرها الكبير على أفكاري.
وعلى محيطي بصفة عامة وعلى الفنان بصفة خاصة والفارق هنا يكمن في أن الفنان له وسائله المختلفة للتعبير عن هذه الأفكار بالرسم والشعر والمسرح والموسيقى وغيرها من الأدوات الإبداعية.
وكذلك القراءة مهمة أيضا والاطلاع على الكتب بأنواعها المختلفة ككتب الفن والفلسفة والمسرح والسينما. هذه المعرفة تفتح أبواباً كثيرة وعديدة وتجعل من الفنان يفكر بطريقة جديدة مع إنجاز لوحاته. فكرة العمل هي التي تقودني فعندما تأتي الفكرة أجسدها بالفرشاة والألوان على قماش أبيض وهكذا حتى تكتمل اللوحة وتعرض للمتلقي ليقول رأيه وفي المقابل تصبح ملكه.
ـ هل جسدت بالخطوط والألوان ما يحدث في ليبيا من حزن؟
ـ للأسف الشديد ما يحدث اليوم في ليبيا أصبح من الصعب جداً التعبير عنه بلوحة أو مجموعة لوحات. السلاح لازال هو الصوت الأعلى والمسيطر على الساحة والأحداث مستمرة ومتلاحقة ولم تنتهي بعد.
وفي رأيي التعبير عن هذه الأحداث في عمل فني يكون بعد نهايتها لنستطيع تكوين صورة واضحة ومتكاملة من كل الجوانب وبالتالي نُقدم عملا صادقا وواقعيا. ومع هذا فقد رسمت مجموعة من الاستكشات أو التخطيطات التي تُعبّر عن واقعنا. يتطلب تنفيذها كعمل متكامل بعض الوقت.
وأعتقد أن الأحداث اليوم أكثر ما تحتاج إلى فن الكاريكاتير أو الفن الساخر لأنه فن اللحظة القادر على مواكبة الوضع اليومي بشكل سريع وقد لا يجسدها بالكامل ولكن سيُعبّر عن الأحداث الأكثر تأثيراً.
ـ في لوحاتك هناك نساء، أشكال هندسية، مثلثات ومربعات، كتابة، جسد، رموز. هل لوحتك رحلة بحث في عالم المرأة المضطهدة؟
ـ المرأة جزء مهم من المجتمع وفي الفن التشكيلي وفي كل مجالات الفن والأدب هي عنصر من عناصر الإبداع عبر التاريخ فهي الأم والحبيبة والزوجة والأخت والابنة. وفي التشكيل دائما ما تُمثل الأرض والوطن والأمومة والجمال والحب. في أعمالي أجسدها بشكل واقعي أحيانا، وأحياناً أخرى بشكل رمزي. وفي بعض الأعمال تفرض نفسها على العمل. أما بالنسبة لقولك المرأة المضطهدة حقيقة لا أستطيع شرح أعمالي أترك الأمر للمتلقي يفسره كما يريد.
الأشكال الهندسية والرموز وجودها يعتمد على فكرة العمل التي تحدد شكل اللوحة أثناء رسمها وقد تتم إضافة أشياء وإلغاء أخرى ليصل العمل للمتلقي بالشكل الذي يرضيني.
ـ في بعض لوحاتك القديمة حضر الجسد الإنساني بكامل تفاصيله باستثناء الوجه. هذا الأسلوب يقترب أكثر من أسلوب التشكيلي رينيه مارغريت. هل هذا تأثير البدايات؟
ـ شيء طبيعي جداً أن يتأثر الفنان في بداياته بالفنانين الكبار الذين سبقوه في هذا المجال.
المعرفة وتعلم طرق الرسم المختلفة من نواحي عديدة كالتكوين ودمج الألوان والإضاءة والظلال وغيرها من التقنيات مع اختلاف المذاهب الفنية، وقد تأثرت بعدة فنانين مثل بيكاسو ودالي ومارغريت. بعد فترة تحررت من تأثيرهم وذلك لرغبتي في أن يكون لدي أسلوبي الخاص في عالم التشكيل. وبصمتي المستقلة.
ما أعجبني في أعمال مارغريت بساطة التكوين وقوة الفكرة، ودالي التكوينات الكثيرة والمعقدة في فكرة اللوحة، أما بيكاسو فتكوينات أعماله بسيطة والأفكار بدون حدود.
سؤالك ذكرني بما قاله الأديب الفرنسي اندريه مالرو” أن الموسيقار لا يتعلم من خرير المياه، وإنما من موسيقى الآخرين، والرسام لا يتعلم كيف يرسم إذا نظر إلى غروب الشمس وشروقها، وإنما من لوحات الفنانين الآخرين. هناك يرى عملية تركيب الألوان وحركة الفرشاة. والأديب لا يتعلم مما يسمعه من قصص وحكايات ومن حكم الشعوب ولكن من الذي يقرأه للأدباء الآخرين”.
ـ كرسي في الصحراء، جيتار وأوراق، عود على كرسي، الكل عندك ينتظر. هل الفن التشكيلي مجرد مشروع جمالي فقط؟
ـ في رأيي الفن بمختلف مجالاته يعتمد على الشكل والمضمون ولا يمكن الفصل بينهما، لأنهما كتلة واحدة، متماسكة مثل اللوحة الفنية. الشعر والرواية والأغنية والمسرح. الفن التشكيلي هو إحساس بالجمال في المجتمع، لأن الفن بصفة عامة يصنع الجمال مع اختلاف وسائل هذه الصناعة وهناك أعمال فنية تهتم بالجمال فقط وأخرى تهتم بالفكرة والجمال معاً باختلاف الفنانين. وفي النهاية يصنع إنتاج فني وتقييم هذا المنتج شيء آخر. وبالنسبة للأعمال التي ذكرتها في سؤالك، أقول أنا يهمني الإنسان وقد أرسم آثاره وأشياؤه وأدواته وعن طريق هذه الأشياء يكون حاضرا في غيابه.
الإنسان في لوحاتك يبدو في صراع مع الزمن. لماذا؟
ـ الزمن يمر بسرعة رهيبة ولا ينتظر أحد وبعض الناس لا يعيروه اهتماما، وصراع الإنسان مع الزمن صراع قديم جديد، الإنسان منذ الأزل يصارع الزمن. ودائما أشتغل في أعمالي على الإنسان باختلاف ثقافته ووطنه. أحاول تجسيد انفعالاته ومشاعره. الإنسان فكر غير محدود وهناك الأفكار والقيم التي يتوحد فيها الإنسان مع غيره كالحرية والثورة والقوة والحق والأمل في غد أفضل. الفن حالة إنسانية يوحد البشر ويضعهم في فضاءات مشعة بالجمال.
ـ في لوحاتك المسماة “لمسات ليبية” استلهمت روح التراث الشعبي كالمرقوم والكليم. كيف استطعت أن تجمع في هذا الشكل الفني بين التراث والمعاصرة؟
ـ تراثنا الليبي غني جداً. له خصوصية بمفرداته ورموزه ومتنوع وفيه اختلاف بين الشرق والغرب والجنوب. هو مخزون ذاكرتنا وجزء مهم من ثقافتنا وهويتنا. وأنا أحاول القيام ببعض المحاولات والتجارب لتقديم هذا التراث الجميل بأسلوب جديد يواكب العصر، أحاول تطويعه بطريقة حديثة. وقد رسمت مجموعة تحت اسم “لمسات ليبية” وأخرى “أحلام شرقية” ومجموعة “تراثيات”، ولدي أعمال جديدة أعمل عليها في نفس المسار.