الغويل يُغازل الدور الأميركي.. ويكشف عن رؤيته في “الإرهاب”
مقال لخليفة الغويل في صحيفة إيكونوميست
ترجمة خاصة لـ(218)
منذ ثورة 2011، التي دُعمت عسكريا من قبل الولايات المتحدة، حُكمت ليبيا من قبل حكومات منقسمة. ثمة الآن عمليا ثلاث حكومات تحاول الحكم متزامنة. إحداها حكومة الإنقاذ التي أتولى فيها رئاسة الوزراء. لقد صعَّب عدم التوحد السياسي قتالنا ضد المتطرفين، سعيا إلى تحقيق الاستقرار والأمن، إلى حد كبير.
ومهما كانت آمالنا بخصوص تحقيق الديموقراطية فإن هذه الآمال معرضة، فعلا، للخطر. فالحكومة التمثيلية مفهوم جديد هنا ولن تكون شرعية في بلدنا المنهك ما لم تكن لدينا مؤسسات فاعلة ونتمكن من حماية أهلنا. ولتحقيق هذه الغاية، نحن في مسيس الحاجة إلى ألا تنسانا أمريكا، ولكن عليها أن تساعدنا في سبيل التوصل إلى حل سياسي يوفق بين خلافاتنا.
كان همي الأول كرئيس للوزراء التخلص من العناصر الليبية المتطرفة، سواء كانت داعش أو القاعدة أو أنصار الشريعة، أو أيا كان الاسم الذي يحملونه اليوم. وكما قلت في أكثر من مناسبة، الأصولية والإرهاب ينبغي قتالهما، بما أنهما يخونان مبادئ الإسلام والوعد بليبيا حرة تنعم بالسلام. قال الرئيس ترامب مؤخرا إنه مستعد لدعم ليبيا في قتالها ضد التطرف، ونحن نرحب بهذا ومستعدون للمشاركة في ذلك القتال.
لقد أسسنا ودربنا فرقا خاصة في قاعدة مصراتة الجوية ترسل تقاريرها إليَّ مباشرة وانخرطت في عدد لا يحصى من المهمات القتالية ضد الإرهابيين وقاتلت بشجاعة في تطهير سرت من داعش. أسسنا كذلك “خدمات مكافحة الإرهاب” التي تبادلت معلومات مهمة وحاسمة مع وكالات الاستخبارات الأمريكية والأوربية.
بيد أنه ينبغي، ونحن نقاتل، أن نجدد جهودنا من أجل أن نكوِّن معا حكومة وحدة وطنية. وهو أمر خذلنا فيه المجتمع الدولي. بعد الثورة مباشرة، تم الرحيب والتهليل بأصدقائنا الأميركيين والأوربيين في الميادين العامة بمدننا وقرانا. إلا أن مهمة بناء حكومة تعددية فعالة من أجل الناس الذين عانوا، لمدة أجيال، تحت دكتاتورية قاسية قُلل من شأنها إلى حد قاتل.
اهتم المجتمع الدولي حينها بمعالجة مشاكله الخاصة المتعلقة ببطء النمو والغموض السياسي ولم ينجد ليبيا بدعم مالي وسياسي وعسكري نحن محتاجون إليه.
الفوضى الحادثة لها تأثيرات تتعدى حدودنا، أدل مثال على ذلك أزمة هجرة الآلاف من بلدان أخرى ابتليت بالصراعات والفقر مستخدمة ليبيا معبرا نحو أوروبا. عجزنا عن إيقاف هذا العبور ناتج ببساطة، عن افتقارنا إلى حكومة مركزية واحدة قوية وموحدة. مشاكل ليبيا الداخلية أصبحت تشكل كوابيس لأوروبا.
لهذه الأسباب، أنا مستعد لدعم الجهود الدولية الهادفة إلى مساعدتنا على بناء حكومة وحدة وطنية تأخذ في الاعتبار المبادئ التي من أجلها قامت الثورة وتحقق العدل وتكافؤ الفرص لكل المناطق والقطاعات الاجتماعية لبلدنا العظيم.
هذه ليست مهمة سهلة، إلا أنه ينبغي أن تنجز، لأنه لا ينبغي القبول والتسامح، بعد الآن، مع مزيد من الفوضى والقتال. أنا لا أرغب في، ولا أسعى إلى، الحصول على دور في حكومة الوحدة هذه، لكنني أدعمها وأحب أن أكون جزءا من جيل جديد في القيادة الليبية انسحب من الحياة السياسية وعاد إلى حياة المواطن العادي.
كما أنني أوجه تنبيهي للولايات المتحدة وأصدقائنا الآخرين إلى أن حل الوحدة لا يمكن تصوره بفرض حكومة علينا من الخارج. ليبيا محتاجة إلى دعم من قبل أهلها وجماعات خارجية محايدة من مثل “اللجنة الليبية للاتفاق السياسي” يمكنها جمع القادة من مختلف التوجهات في مجتمعنا.
اللجنة الليبية للاتفاق السياسي لا تؤيد مرشح حزب سياسي ولكنها تسعى إلى توحيد الناس في قضية مشتركة. ينبغي أن نتذكر أن الديموقراطية ليست انتخابا فقط، بل ينبغي تغذيتها من قبل منظمات غير حكومية تعمل لصالح ليبيا، وكذلك من قبل صحافة مستقلة، وهيئة قانونية مستقلة وسيطرة مدنية على الجيش الوطني.
هذه الجوانب تمثل، حقا، أحجار البناء في ديموقراطية مكتفية بذاتها، فعالة، ومستقرة. الوحدة ستمكننا، على الأقل، من أن نطور استراتيجية اقتصادية وطنية تمس كل قطاعات الشعب. واحدة من أولى مهامي كرئيس للوزراء كان تأسيس “لجنة المشاريع الاستراتيجية” مكونة من قادة من مختلف قطاعات الصناعة عبر ليبيا كلها.
مهمة هذه اللجنة تحديد ووصف الفرص التجارية الضرورية والمباشرة كي يتم استخدامها في البنية التحتية من مثل توليد الكهرباء، صيانة الطرق والجسور، إعادة بناء البنية التحتية لقطاعي الصحة والتعليم، وغير ذلك. إلا أنه لا يمكننا أن نسهم في هذا والإشراف عليه وتمويله مع وجود حكومة منقسمة. أكثر من ذلك، نحن محتاجون إلى أمة سيادية واحدة لاستعادة الكثير من أموالنا المجمدة ومصادرنا المالية المسروقة وجذب الاستثمارات الكبيرة، خصوصا من الولايات المتحدة.
كان السيد ترامب على حق في تركيزه على الأمن كأولوية له في ليبيا. فالإرهاب والفكر الذي يلهمه ظاهرة عابرة للقارات. بيد أنه لا يمكننا التغلب على المشكلة عسكريا فقط. وإنما نحن محتاجون إلى تقديم بديل موثوق لإنهاء المتطرفين، تحديدا تجريب حكم يمكنه جلب الناس، أكثر فأكثر، إلى مجموع المؤيدين وأن ننهي المعاناة التي يتغذى عليها الإرهابيون. إبقاء ليبيا على لوحة مفاتيح القيادة في الولايات المتحدة يحمل إمكانية منح الديموقراطية جسرا في منطقة حيوية.