الغويل ومعيتيق يعرضان “عناصر القوة” عبر “رويترز”
نشرت وكالة “رويترز” اليوم الخميس تقريرا عن الوضع الليبي قالت فيه إنه في مجموعة من الوحدات السكنية الفاخرة التي نجت من المعارك في العاصمة الليبية طرابلس دون خدش تقريبا أقام شخص أعلن نفسه مدافعا عن الثورة الليبية قاعدة ليكون واحدا من ثلاثة مطالبين برئاسة حكومة البلاد. ويتمركز عدد من الحراس وسيارتان من طراز الدفع الرباعي عند مجمع خليفة الغويل بينما يسيطر أنصاره على الطرق المحيطة بنقاط تفتيش ودوريات.
ولا يعتبر كثيرون الغويل منافسا حقيقيا على السلطة. لكن في الأسابيع الأخيرة عزز رئيس الوزراء السابق وجوده في قاعدته على بعد أربعة كيلومترات من قلب العاصمة في تحد صارخ يهدف إلى تقويض الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة التي كان من المفترض أن تقود ليبيا نحو السلام.
وبعد ستة أعوام من انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلسي أطاحت بمعمر القذافي الذي حكم البلاد 40 عاما أدى ظهور الغويل مرة أخرى وقدرته على حشد دعم مسلح قوي إلى وضع العاصمة في حالة تأهب وتسبب في معارك عنيفة بشكل غير معتاد. وكشفت هذه المعارك عن انقسامات عميقة في ليبيا وكيف لم تكتسب الجهود الغربية لتحقيق الاستقرار في ليبيا زخما يذكر.
ولا تزال ليبيا مرادفا للفوضى. ورفع البلد الواقع في شمال أفريقيا إلى أكثر من المثلين إنتاجه من النفط ليصل إلى 700 ألف برميل يوميا في الشهور الأخيرة لكن هذا لا يزال أقل بكثير من الإنتاج اليومي قبل انتفاضة 2011 والذي تجاوز 1.6 مليون برميل يوميا.
لكن هذه الانتعاشة والمكاسب التي تحققت ضد تنظيم داعش هشة. فالمناطق الجنوبية والغربية تعج بطرق التهريب، كما تخوض الكتائب المسلحة معارك على الأراضي في شوارع العاصمة.
وفي العاصمة لم يكتمل تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي تدعمها الأمم المتحدة برئاسة رئيس الوزراء فائز السراج وأصبحت غير قادرة بشكل كبير على توفير الخدمات للمواطنين اليائسين أو بسط سلطتها حتى على أعتاب بابها فيما يكافح جيران ليبيا والدول الغربية لإنقاذ خطتهم.
وفي شرق البلاد يطالب رئيس وزراء آخر بالسلطة من مدينة البيضاء بدعم من برلمان يتخذ من طبرق مقرا له قرب الحدود مع مصر. ونالت هذه الحكومة اعترافا دوليا لكنها باتت غير فاعلة إلى حد كبير.
وشكلت هذه الحكومة تحالفا مع القائد العسكري خليفة حفتر المناهض للإسلاميين والذي يتخذ من مدينة المرج مقرا له والذي تحارب قواته منذ فترة طويلة للسيطرة على مدينة بنغازي القريبة. ويرشح حفتر حكاما محليين عسكريين ويهدد بمهاجمة طرابلس وقد زاده الدعم من مصر والإمارات وروسيا جرأة.
وتسيطر قوات حفتر على معظم نفط ليبيا وتتعاون مع المؤسسة الوطنية للنفط ومقرها طرابلس رغم محاولات سابقة من فصائل في الشرق لبيع النفط بشكل مستقل.
مشهد منقسم
لم تلتئم الخلافات التي تحولت إلى صراع في مختلف أنحاء ليبيا عام 2014. وجرى تعيين الغويل نفسه من قبل تحالف مقاتلين سابقين يميل للإسلاميين وانتزع السيطرة على طرابلس في ذلك العام من الجماعات المتحالفة مع حفتر. لكن تحالفهم انهار الأمر الذي عقد المشهد السياسي الفوضوي بالفعل.
ومنذ تعثر حكومة الوفاق الوطني يحاول الغويل إعادة بناء موقفه بدعم من مسقط رأسه مصراتة.
وتساءل الغويل في مقابلة مع رويترز في مكتب داخل المجمع الذي بناه القذافي “ما الذي أنجزته هذه الحكومة خلال هذا العام؟”
وقال “للأسف المجتمع الدولي يرى كل نتائج دعمهم. نشكرهم على عملهم لكن النتيجة سلبية جداً وإذا ما أصروا على ذلك… فلن يتغير شيء.”
وفي مثال على الطبيعة المربكة للمشهد السياسي في البلاد بعد الانتفاضة يقول الغويل إنه الآن على اتصال مع الحكومة المتمركزة في الشرق المتحالفة مع حفتر في محاولة لإبرام اتفاق فيما يتعلق بقادة حكومة الوفاق الوطني التي يعارضها الجانبان.
لكنه يقول إنه إذا حاول حفتر السيطرة على السلطة في العاصمة فستتم مواجهته بالسلاح وقال “نحن جاهزون لذلك”.
وقبل عام حاول الغويل دون جدوى منع قيادة حكومة الوفاق الوطني من الوصول إلى طرابلس فقد أغلق المجال الجوي فوق طرابلس لكن السراج استطاع مراوغة ذلك عندما وصل البلاد من تونس في سفينة في أواخر مارس آذار الماضي. ووصل إلى قاعدة بحرية لا تزال مقرا له.
ويتهم الغويل حكومة الوفاق الوطني بمحاولة فرض نفسها دون دعم شعبي مما أثار مستويات أخرى من الارتباك في المؤسسة وتسبب في تدهور مطرد في مستويات المعيشة.
وفي أكتوبر انتقل الوفد المرافق للغويل إلى المجمع السكني ومبنى للبرلمان حيث تعقد هيئة مؤيدة لحكومة الوفاق جلساتها. وفي يناير كانون الثاني أعلن أنه استعاد عددا من الوزارات. ويقول الآن إن لديه سلطة على نحو ست من الوزارات بينها الدفاع والعدل ونحو 50 في المئة من وزارة الداخلية. وتنفي حكومة الوفاق الوطني هذه المزاعم وتقول إن الغويل يظهر على فترات متقطعة في مبان رسمية غير مأهولة.
نطاق سيطرة حكومة الوفاق
لكن نطاق سيطرة حكومة الوفاق الوطني واضح للعيان. وكان من المفترض أن يوحد مجلسها الرئاسي المؤلف من تسعة من زعماء التيارات السياسية الليبية ومناطقها في الشرق والغرب والجنوب لكنه كثيرا ما كان يزيد الخلافات.
وقاطع عضوان لهما صلات بحفتر وحلفائه المجلس بشكل كامل تقريبا بينما اشتبك آخرون بشكل متكرر وخرجوا بتصريحات متضاربة وعينوا أفرادا من جانب واحد فيما يبدو وكانوا يعلنون ذلك في كثير من الأحيان في وقت متأخر من الليل.
وفجر غياب السراج المتكرر عن الاجتماعات والقمم الدولية انتقادات بأن حكومته تعتمد على الدعم الأجنبي وغير موجودة بالكاد على الأرض.
وروجت قوى غربية بقوة لحكومة الوفاق الوطني باعتبارها شريكا وحاول المجلس الرئاسي تدريجيا تشغيل وزرائها. لكن من دون دعم برلمان الشرق – وهو تحرك مهم في المعاهدة السياسية التي تدعمها الأمم المتحدة – فقد وجدوا أنفسهم في فراغ قانوني.
ونسب السراج إلى نفسه الفضل في الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية في معقله السابق بمدينة سرت وفي زيادة إنتاج النفط لكن الإنجازين تحققا بفضل قوات تقع بشكل كبير خارج سيطرته.
وأقنع المجتمع الدولي البنك المركزي بإصدار تمويل لحكومة الوفاق التي وجدت صعوبة في العمل. ولا تصل سوى موارد محدودة حتى للوزراء فالوزيرة إيمان بن يونس المسؤولة عن بناء وإصلاح مؤسسات الدولة لديها ثلاثة موظفين فقط كلهم متطوعون في مكتبها بمبنى رئاسة الوزراء.
فقدان الثقة
قال عثمان القاجيجي الذي استقال من منصبه كرئيس للجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية لأن موظفيه لم يتقاضوا أجورهم منذ عامين إن رؤساء البلديات الذي دعموا حكومة الوفاق الوطني ضاقوا ذرعا.
وقال إنهم يفقدون الثقة وإن بعضهم أبلغه أنهم سيسحبون دعمهم.
ويقول أحمد معيتيق وهو نائب لرئيس الوزراء إن المجلس الرئاسي لديه قوة إنفاق إلى حد ما بعد أن أفرج البنك المركزي في الآونة الأخيرة عن أموال الموازنة. وقال إنه لا يشعر بالقلق من الغويل الذي لا تتجاوز تعليماته سكرتيره الخاص على حد قوله.
وذكر أن دور حكومة الوفاق هو الحفاظ على السلام بين الليبيين وأن فصائل المقاتلين السابقين التي تقسم العاصمة – ويملك بعضها صفة شبه رسمية – ستحصل على فرص اقتصادية وستعود إلى الحياة المدنية.
لكن التحاور مع الجماعات المسلحة ليس سهلا. فأفراد الفصائل يخطفون المدنيين طلبا للفدية ويجبرون البنوك على الدفع لهم نقدا ويسرقون الكهرباء لينقذوا الأحياء التي يعيشون فيها من انقطاعها.
وفي معارك خلال الآونة الأخيرة انقسمت الفصائل المسلحة إلى جماعات تؤيد حكومة الوفاق وأخرى تعارضها.
وحصل الجانب المناهض لحكومة الوفاق على تعزيزات في الفترة الأخيرة بفضل قافلة من المركبات العسكرية التي وصلت العاصمة من مصراتة الأمر الذي فجر اشتباكات جديدة. وفي الأسبوع الماضي ألقيت على هذه الفصائل مسؤولية إطلاق النار على موكب السراج أثناء مروره قرب مجمع الغويل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“رويترز”