“الغارديان”: السلاح لن ينهي عذابات ليبيا مهما يقول رجلها القوي
نشرت صحيفة الغارديان البريطانية في عمود الرأي مقالة للكاتبة والباحثة البريطانية آليا براهيمي، تحدثت فيه عن الأوضاع الدائرة حاليا في ليبيا، وتحديدا الاقتتال العنيف الدائر في طرابلس، جاء فيه أن أزمة ليبيا تزداد حدة مع بدأ الهجوم واندلاع القتال العنيف على مشارف العاصمة.
وأشارت الكاتبة إلى أن هذا القتال يهدد بمزيد من عدم اليقين بالنسبة لآلاف المهاجرين واللاجئين في ليبيا. وقالت الباحثة إن الجيش الوطني بقيادة المُشير خليفة حفتر مصمم على السيطرة على العاصمة، كحلّ لسنوات من عدم الاستقرار والانقسامات الراسخة بين الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة في الغرب والجيش الوطني التابع إلى الحكومة المُؤقتة في الشرق. وتضيف الباحثة أن محاولة فرض حل عسكري، وحملة حفتر “لتوحيد” البلاد تنذر بمزيد من الفوضى.
كما قال التقرير إنه وفقا لمصادر الباحثة، فقد بدأ الجيش الوطني في إجبار المدنيين ببنغازي على الالتحاق بالخدمة العسكرية. ووصف ذلك بأنه مؤشر مثير للقلق على أن الهجوم الخاطف الذي كان يتوقعه حفتر للسيطرة على العاصمة سيأخذ وقتا أطول بكثير.
ويقول التقرير إن توقيت هجوم حفتر على العاصمة كان أكثر إثارة للدهشة من قوته. لأنه عندما بدأه، كانت شرعيته الدولية تتصاعد. وفي الأشهر الأخيرة، تم نقله تدريجياً من أمير حرب محدود إلى شريك في الحرب على الإرهاب، وإلى شريك محتمل في السلطة.
ويضيف التقرير أن تحالفات خارجية قوية، خاصة مع مصر والإمارات إلى جانب إرهاق دبلوماسي من جانب القوى الغربية التي أحبطت من المأزق السياسي القائم في ليبيا، هو ما منح حفتر هذا الوضع.
يعود التقرير بالتاريخ إلى العام الماضي عندما تسارعت العملية السياسية بدعوة إيمانويل ماكرون حفتر لحضور قمة سلام في باريس، وجرى الاعترافُ به فعليًا كممثل سياسي شرعي. وكذلك عندما بدا أن مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا يمتدح الجيش الوطني الليبي لاستئصاله الجريمة واستعادة النظام خلال الاستيلاء على السلطة في جنوب غرب البلاد في يناير. كما تم استدعاء رئيس الحكومة فايز السراج، إلى الإمارات لمقابلة حفتر في فبراير.
وترى الباحثة أنه يمكن فهم توقيت العملية العسكرية بعدة طرق. منها أن الجزائريين كانوا يشككون منذ فترة طويلة في دعاوى حفتر بأنه قوة من أجل الاستقرار ويفضلون التوصل إلى تسوية سياسية عن طريق التفاوض للأزمة الليبية التي من شأنها تأمين الحدود المشتركة البالغة نحو 950 كيلومترا. لكن في الشهرين الأخيرين، شغلت الاحتجاجات المحلية واستقالة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الجيش الجزائري – وربما القوة الوحيدة في المنطقة التي لها تأثير رادع على حفتر.
كذلك ترى الباحثة أن اللقاء بين حفتر والملك سلمان قبل قمة جامعة الدول العربية الشهر الماضي قد يكون مهمًا أيضًا. لأن الدعم السعودي تحديداً يفتح صندوق حرب كبيرا، وقناة نفوذ مهمة لإدارة ترامب. كما أنه يجلب معه إطار النزاع الخليجي مع قطر، المعروفة بدعمها للعديد من ميليشيات طرابلس.
ويرى التقرير أنه كان لدى حفتر أيضًا نافذة محدودة لتحويل تقدمه الأخير في جنوب غرب البلاد إلى نصر حقيقي. وأنه سعى إلى ترسيخ نفسه كعنصر فاعل وطني خارج قاعدة سلطته في شرق البلاد ويقوم بتطهير الجنوب من الإرهابيين والمرتزقة من أفريقيا، بالرغم من العشرات من المقاتلين التشاديين والدارفوريين المستأجرين في صفوف الجيش لمعالجة النقص الدائم في عديد القوات.
ويشير التقرير إلى خطوط إمداد الجيش الطويلة للغاية، والديناميات المحلية المعقدة للغاية والمجتمعات الجنوبية، وخاصة مع مكوّن التبو.
وتقول الباحثة إنه في محاولة منه لتغيير المعادلة السياسية بالقوة، استعار حفتر شيئا من قوانين الاستبداد. حيث ندّد بكل معارضيه ووصفهم بالجهاديين، ما أدى إلى القمع وقتال طويل داخل المنطقة الشرقية. وقد تبنى خطاب الحرب العالمية على الإرهاب، وسعى إلى تعزيز شراكات مكافحة الإرهاب مع القوات الدولية، وعلى الأخص فرنسا.
ويشير التقرير إلى تكتيك آخر لحفتر وهو تشكيل تحالفات مع الجماعات السلفية التي بالرغم من تعصبها الديني، ليست مهتمة حاليًا بالاستيلاء على السلطة السياسية، ويمكن استرضاؤها بالمناصب التي تسمح لها بالتأثير على المجتمع (وأسلمته) ، مثل إدارة الشرطة والسجون والجوامع. ولا شك أن حملة طرابلس للجيش الوطني تعتمد على ولاء القوات السلفية من داخل العاصمة.
وتقول الباحثة إن حفتر يأمل أن يعمل وعده باستقرار دولة تعاني من الاضطرابات على إسكات الاتهامات ضده بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. وتشير كذلك إلى الحرب الإعلامية. وأنه يحظى بدعم من جيش إلكتروني هائل، يجمع بشكل مدروس المعلومات الخاطئة مع حقائق مختارة لتضخيم وتأثير نفوذ الجيش وخلق حقائق جديدة على أرض الواقع تكون مؤقتة ويمكن عكسها.
وتختتم الكاتبة بأن الخطر، بالطبع، هو تصديق حفتر نفسه للأسطورة التي تسوقها الآلة الإعلامية عنه، وتقول كذلك من المرجح أنه فوجئ بقوة المقاومة في طرابلس، التي أعاقت قواته في ضواحيها. ولكن إذا تمكن من الاستيلاء على العاصمة، فربما سيتفاجأ حفتر وحلفاؤه بالتمرد الذي سيتبعه حتماً.