العريبي… التونسي الذي كتب نشيد ليبيا
محمد غريدة
توقفت بنا السيارة أمام المنزل رقم خمسة بحي الوردية في العاصمة التونسية لندلف إلى منزل يضم بين طياته شاعراً كان له بصمة لا تنسى في تاريخ ليبيا الحديث، استقبلنا صاحب المنزل بابتسامة رائعة، وبرغم عمره لازال يحتفظ بنبرة هادئة ولسان عذب وأناقة ملحوظة، وحديث لا يمل.
صاحبنا هو بشير العريبي، الشاعر التونسي الذي كتب نشيد الاستقلال الليبي، حيث اختير نصه (يا بلادي) في مسابقة أقيمت في القاهرة عام 1955 لاختيار نشيد رسمي لدولة ليبيا المستقلة حديثاً آنذاك، لحن تلك القصيدة بعد ذلك الموسيقار المصري محمد عبد الوهاب، وتنازل العريبي عن جائزته المالية لصالح اللاجئين الفلسطينيين.
ولد العريبي عام 1923م في تونس، واسمه بالكامل (بشير بالحاج محمد بن احميدة)، أمه تدعى محرزية بنت الصادق زيد، والده عمل وسيطاً في نقل البضائع للتجار، وهو أصغر إخوته الثلاثة، تزوج بشير بالسيدة نجاة الهادي البحري، فأنجبت له ثلاثة أولاد وبنتين وله عشرة أحفاد.
تلقى تعليمه الابتدائي في تونس، وتابع تعليمه حتى المرحلة الجامعية في جامعة الزيتونة، ونال شهادتها العلمية عام 1946م، ومنها التحق بمدرسة الحقوق العليا ولكنه لم يكمل دراسته، ويجيد اللغة الفرنسية فضلاً عن العربية. عين العريبي عام 1948م بمهنة التدريس في مدينة القيروان، ثم تابع مهنة التدريس في تونس العاصمة، وجامعة الزيتونة، وجامع القصبة، والمدرسة الصادقية، ثم مديراً للمعهد الوطني للدراسات الإسلامية العليا في موريتانيا، وغيرها من الوظائف الأخرى.
انتسب السيد بشير العريبي للحركة الكشفية في عام 1943م في جمعية الشبان – قسم الكشافة، وانقطع فترة ثم عاد رسمياً في مطلع الخمسينيات من القرن المنصرم، وأصبح من أبرز قادة الكشافة التونسية بل والعربية.
يعد الأستاذ بشير العريبي من الشخصيات الكشفية العربية والوطنية التي أثرت في المجتمع الكشفي، وكان عضواً في القيادة العامة للكشافة التونسية، حضر العريبي العديد من المخيمات الكشفية العربية من بينها: المخيم العربي الأول في الزبداني بسوريا عام 1954م والمؤتمر العربي الكشفي الخامس عشر عام 1982م، كذلك حضر العديد من المعسكرات والمخيمات والتجمعات المحلية والوطنية.
وللعريبي حضور بارز في الأنشطة الثقافية والأدبية، قام بإلقاء الدروس والمحاضرات والإسهام في الندوات الفكرية والتوعوية منها محاضرة بعنوان (الحضارة الإسلامية بين أمسها الزاهر وغدها المأمول) بمناسبة ليلة 27 رمضان 1387 هجرية، بحضور الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وتسيير أعمال اللجان الثقافية في تونس، وعمل مدققاً لغوياً، وقدمَ برنامج حديث الصباح في الإذاعة التونسية لعدة سنوات وترأس تحرير مجلة السليل الكشفية لمدة ثلاثة عشر عاما، وترأس مجلة الهداية.
نشر العديد من المقالات في الصحف والمجلات التونسية، وألف العديد من الكتب المدرسية لتلاميذ السنة الثانية من التعليم الثانوي والإعدادي عام 1964م بالاشتراك مع آخرين، وله مخطوط جمع فيه معظم قصائده لم يطبع بعد.
يملك الشاعر مكتبة عامرة بأمهات الكتب والمصادر الأدبية والاجتماعية والدينية والمخطوطات، وهو مغرم بمطالعة ومتابعة الصحف والمجلات ومن بينها الصباح، والعمل، ومجلة الشبان، ومجلة جوهر الإسلام، ومجلة الفكر، وغيرها من الصحف والمجلات المحلية والعربية.
وكرمت وزارة الثقافة الليبية العريبي عام 2012 في الذكرى الأولى لثورة 17 فبراير، فقدم له الوزير عبد الرحمن هابيل درعاً تذكارياً وزياً ليبياً تقليدياً، كما حصل في مناسبات أخرى على العديد من الأوسمة والشهادات التقديرية والتكريمية على خدماته الجليلة في المجال الكشفي والتربوي والعلمي، منها وسام الشارة الخشبية، ووسام الاستحقاق الكشفي، وشهادة تقدير من القيادة العامة للكشافة التونسية، وشهادة تقدير من جامعة الزيتونة، وشهادة تقدير من القيادة العامة لكشاف ومرشدات ليبيا، وشهادة تقدير من اللجنة العليا لحماية الثورة، ودرع من مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية، ودرع من مفوضية كشاف المرج وغيرها.
من المواقف التي حدثت لشاعرنا أنه كان يقود سيارته برفقة زوجته فوجد أمامه حادث سير، وعندما اقترب اكتشف أن المتوفى هو ابنه، إذ صدمته إحدى السيارات فتحدث مع الواقفين وقال لهم إن هذا ابني وسوف أرجع حال أن أوصل زوجتي إلى البيت لأني لا أريدها أن لا تنصدم بالموقف، فهي مريضة، وقد كان أن أوصل زوجته وعاد لاستلام جثمان ابنه.
تقاعد الأستاذ بشير العريبي على الدرجة الوظيفية نائب مدير في الوزارة الأولى عام 1982م بعد أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً قضاها في أداء عمله متفانياً.
غادرنا المنزل وحي الوردية ونحن نحمل في ذاكرتنا صورة لرجل شهد أزمان عديدة، وكتب لنا كلمات لازالت تصدح في أرجاء بلادنا (ليبيا، ليبيا، ليبيا).
عن جريدة برقة التي تصدر بمدينة المرج
العدد 97 الصادر بتاريخ 13 أكتوبر 2015