“العبودية”.. السينما لم تربطها باللون ومصير “لينكولن” جسّدها
خاص 218TV.NET
أحلام المهدي
عندما ينطق الليبي مفردة “العبودية“، فإن خياله يسرح إلى الأيام التي كان فيها يقضي مساءاته مواكبا رحلة البؤس والشقاء التي قطعها “كونتا كينتي” الفتى الأسمر الذي تعاطف معه الجميع في المسلسل الذي تابعه الليبيون طوعا أو كرها، لأن المزاج السياسي وقتها كان يسلط الضوء على كل بشاعة قد تكون التصقت بالغرب وبيئته وفكره، مهما ابتعد بها الزمن هناك.
ومهما اقترب منها الليبي في كل حركاته وسكناته، من وصفه بعض العمال الأجانب ب”البنغلة” أو “الكحلة”، إلى نظرته لنساء مجتمعه أو الليبيين في مناطق أخرى، إلى التصرفات التي طفت على السطح بعد أحداث فبراير، والتي بقدر ما كانت صادمة للبعض، فإنها تعتبر منطقية جدا بالنظر إلى الحاضنة الاجتماعية التي تبنتها.
إن العبودية ربما لم تكن يوما حكرا على سُمْر البشرة، لكنها ذات زمن كانت تجتاح المجتمعات كلها على اختلاف ألوانها وأجناسها، وقد وثقت السينما العالمية هذه الظاهرة في عددٍ من أجمل وأنجح الأفلام التي قالت في مشاهدها الكثير، وللإشارة إلى الفكرة هنا نعرّج على فيلم “ذهب مع الريح” الذي أنتِج عام “1939”، إذ تناول هذا الفيلم انعكاسات الحرب الأهلية الأميركية على المجتمع الجنوبي في البلاد، بسبب التمييز العنصري الذي عانى منه الجنوبيين وقتها.
وبعكس أفلام العبودية والعنصرية التي يكون أبطالها عادة من “السود”، فإن بطلة الفيلم هي الحسناء الجنوبية “سكارليت أوهارا” التي نشأت في أسرة أرستقراطية جنوبية، لتدخل في سلسلة من قصص الحب والعلاقات المتشابكة تدور في خلفية أحداث الحرب الأهلية في البلاد، ولأنه عكس المرحلة بكل ما فيها من ظلم وعنصرية مارسه الأميركيون على الأميركيين، فقد رُشح لنيل “13” جائزة أوسكار، حصل منها على ثمان جوائز، أبرزها جائزة أفضل فيلم، وأفضل ممثلة التي كانت من نصيب “فيفان لي” عن دور الجميلة “أوهارا”، ويعتبر الفيلم أحد أفضل الأفلام في تاريخ السينما الأميركية حسب معهد الفيلم الأميركي.
هذا عن اللون الذي تجاهلته السينما العالمية في أبرز أفلامها عن العنصرية والعبودية، لكن السينما عارضت السائد أيضا عندما قدمت لنا رائعة الراحل “دانييل دي لويس”، “لينكولن” عام “2012”، ورغم أن الفيلم كما يشي بذلك العنوان، ركّز على شخصية الرئيس الأميركي “أبراهام لينكولن”، إلا أنه قال الكثير عن فترة حرجة من تاريخ الولايات المتحدة، انتقلت خلالها من عصر إلى آخر بفعل تضحيات كبيرة من أشخاص لم يعانوا يوما من آثار العنصرية والعبودية التي رفضوها وحاربوها بشراسة حتى أن بعضهم مثل الرئيس “لينكولن” دفع حياته ثمنا لمحاولة إنهائها والقضاء عليها.
فالرئيس “الأبيض” الذي قام بتمرير قانون يلغي الرق تماما في البلاد وينهي الحرب الأهلية ليجمع الولايات الشمالية والجنوبية في إطار دولة موحدة، لم تساعده أفعاله في البقاء على قيد الحياة، ليتم اغتياله في النهاية، وقد رشّح الفيلم لينال “12” جائزة أوسكار، لكنه فاز منها بجائزتين فقط، إحداهما كانت للنجم الراحل “دانييل دي لويس”، ليصنف الفيلم كأحد أهم الأفلام التي ركزت على قضايا الحرب والعبودية في الولايات المتحدة.
ومن الأفلام الخالدة التي لم تربط العنصرية باللون “الأسود” أيضا رائعة المصارع “المُجالِد”، التي تميزت بالكلاسيكية في كل شيء، من الملابس التي أخذتنا إلى تلك الحقبة بكل تفاصيلها، إلى الآداء الممتع والمقنع من الجميع، إلى أجواء جزيرة “مالطا” التي لم تكن بيئة أخرى لتقنعنا بما نشاهد مثلما فعلت قلاعها وأسوارها العتيقة.
وتدور أحداث الفيلم في عصر ماركوس أوريليوس الذي تتزين “طرابلس” بقوسه البديع حتى الآن، ليكون هذا العمل التاريخي صورة للعبودية التي قد يقع تحت طائلتها “قائد” كبير من علية القوم مثل “ماكسيموس”، وهو روماني أبيض البشرة، بعيد عن الصورة النمطية للعبيد، وقد فاز الفيلم بعدة جوائز “أوسكار”، منها أفضل أزياء وأفضل تأثيرات بصرية، إضافة إلى جائزة أفضل ممثل التي نالها بجدارة النجم “راسل كرو”، لنكتشف بعد زمن أن العبودية ليست مرتبطة أبدا باللون، ولا ببيع البشر والمتاجرة بهم، بل إننا قد نمارسها في أبسط التصرفات دون أن نشعر.