العالم و«هولوكست» في إدلب!
رياض نعسان آغا
لم أفاجأ بما حدث في حلب، فقد حوربت الثورة السورية بضراوة وغيّب مشروعها الوطني في بناء دولة مدنية تحقق لشعبها الحرية والكرامة والديموقراطية أمام سيل من التنظيمات الدينية التي سرعان ما ظهرت بشعارات لا تمت للثورة بصلة، ولكنها اختطفت راياتها وشعاراتها وحاربت كل من نادى بالمشروع الوطني، ولن ننكر أن ساحات الموت كانت بيئة قابلة لفكر ديني حين يواجه الكوارث، ولكن هذا الفكر شكل عبر إدارة خبيثة منعطفاً سهلاً لتعبئة متطرفة داعبت مخيلة الحالمين بخلافة إسلامية أو بإمارة دينية، وهؤلاء الواهمون الحالمون فريقان أحدهما ينفذ مخططاً للتمويه على الثورة وحرف بوصلتها وامتلاك ناصيتها، ليقدم النموذج المشوه للإسلام الحضاري الذي برع أهل الشام في تقديمه منذ قيام دولة بني أمية المدنية، وكثير من التصرفات الغريبة كانت توحي بالقصد العمد، حيث لم تستطع هذه التنظيمات المتطرفة أن تقدم للناس ما يقنعهم فكرياً أوعملياً. وأما ثاني الفريقين، فهو حشد من بسطاء الناس ومن المهمشين الذين ثاروا على ما رأوا من ظلم، وقادتهم تلك التنظيمات عاطفياً تحت لافتة الإسلام، وقدمت لهم الحماية ووسائل العيش حين اشتد ضيقه، وغاب عنهم أن يقرؤوا العالم الذي يعيشون فيه، وأن يفهموا التوازنات الدولية، وقد ظن بعضهم أن العالم سيقبل دولة سُنية دينية كما قبل إيران سابقاً، وهي دولة دينية شيعية يحكمها الولي الفقيه ريثما يظهر الإمام المنتظر، ولم يفهموا وظيفة تلك الدولة رغم أن ملامحها قد باتت شديدة الوضوح، بعد أن تمكنت من لبنان والعراق وسوريا وهي تمد أذرعها في اليمن.
وليس سراً أن النظام وحلفاءه أسهموا بقوة في تنمية المشهد الديني المتطرف للتعمية على مطالب الشعب، وقد أعلن النظام عن قيام إمارة إسلامية قبل أن يطلق سراح المعتقلين من الإسلاميين المتشددين لديه، وكانت أكذوبة استنكرها الشعب كله. ولكن النظام الأمني تمكن من أن يقدم القضية السورية على أنها نظام علماني عصري يواجه منظمات إرهابية، ولم يكن يخطر على بال المتظاهرين في درعا وباقي المحافظات أنهم سيواجهون إيران النووية ومئات الآلاف من متطرفي الشيعة الذين جاؤوا من كل صوب وأسهموا في دفع الناس إلى التشبث بالفكر الديني السني المواجه، ولاسيما حين دخل «حزب الله» إلى القصير برايات ثأرية، جعلت أهل السُنة يتذكرون أنهم (سُنة)، وقد نسوا هذا التصنيف الطائفي وتجاهلوه عبر تاريخهم المعاصر لصالح المشروع الوطني والقومي التحرري، الذي جعلهم يرون في حسن نصر الله قائداً إسلامياً ورمزاً من رموز المقاومة قبل أن تتكشف الحقائق.
واليوم بعد أن تمكنت إيران من غزو حلب وإخراج الآلاف من سكانها واقتلاعهم من بيوتهم يتابع النظام وإيران تجميع المهجرين قسرياً في إدلب، وإعلان موسكو الأخير يتحدث عن وقف إطلاق النار ويستثني إدلب، ولا يتحدث عن حماية المدنيين وهم الضحايا نساء وأطفالاً ومرضى وعجزة، رآهم العالم يهرولون هاربين من الموت الذي يلاحقهم في حلب رغم الوعود بأن لهم معابر آمنة، ومن المتوقع أن يقوم الفرس باجتياح إدلب وارتكاب مجزرة كبرى فيها، وعدد سكان المحافظة اليوم يقارب ثلاثة ملايين نسمة، قد تتم التضحية بهم لإعلان انتصار نهائي على الشعب السوري، وطي ملف الثورة وتمكين نظام الأسد، ورغم دعوة الروس إلى مفاوضات في «أستانة» فإن الحسم العسكري سيبقى سيد الموقف، وأي اتفاق سيكون مجرد إذعان، وليس بوسع قوى المعارضة المعتدلة أن تهزم موسكو وإيران وحشود الميليشيات الطائفية التي يقودها سليماني وتغطي سماءها أعتى الأسلحة الروسية التي خلت لها الساحة الدولية، وبدا المجتمع الدولي عاجزاً عن إيقاف جرائمها ضد الشعب السوري. ندرك أن إيران والنظام لا يريدان حلاً سياسياً، وسيشهد العالم مجزرة كبرى في إدلب، ولئن كان المجتمع الدولي قد اكتفى بالإدانة لما حدث في حلب، فعليه أن يجنب إدلب مصيراً أشد قسوة، ولابد من إيجاد حلول أخرى غير سفك المزيد من الدماء التي ستجعل الحرب مفتوحة تتوارثها الأجيال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الاتحاد” الإماراتية