الطاحونة
سمير عطا الله
تتشابه الأمثال والأقوال، من بلد إلى بلد، ومن زمن إلى زمن. فالمهم هو المعنى. والمعنى، أو المقصود، واحد. لكن الاختلاف في العرض يكون أحياناً في حجم عاصمة إمبراطورية. ففي اللغات الغربية جميعها تقريباً، مَثَل يقول: «كل الطرق تؤدي إلى روما». أي يوم كانت المدينة مركز القرار في معظم المعمورة. يقابله في لبنان المثل الشعبي: «كل الطرق تؤدي إلى الطاحون». أو المطحنة. أو الطاحونة. أنت ولهجتك ومنطقتك.
لم يعد لروما الإمبراطورية وجود منذ قرون، لكن المثل لا يزال جارياً في كل مكان. وأما المطحنة، فقد اختفت، في لبنان على الأقل، منذ أوائل القرن الماضي. وكانت عبارة عن مبنى صغير عند شلال ماء قوي، وفيه حجر مستدير شديد الضخامة، تدفعه المياه فيطحن حبوب القمح إلى دقيق.
وكانت أحياناً قرى بأكملها تُسمّى باسم الاختصاص الصعب، مثل «مزرعة المطحنة». ويفهم من أغنية فيروز «عَ الطاحونة، شفتك عَ الطاحونة» أن عالماً قروياً بأكمله كان يعايش المكان. شباب يحملون أكياس القمح، وصبايا ينقّين القمح من الزؤان، وهدير المياه، وصخب الحجر الضخم. وهات يا طحين. إذن، في إمكان جنابك أن تستخدم المثل الأول ولو كنتَ لا تعرف روما وطرقاتها، وكذلك، المثل الثاني، ولو كنتَ لا تعجن ولا تطحن ولا تغني فيروز لرؤيتك: «نازل نازل عَ مفارق الحارة/ شفتك نازل وعيونك محتارة».
لكن ثمة مشكلة مع بعض الزملاء في استخدام بعض الأمثال ذات المعنى الحصري. وأكثر ما يتكرر في هذا الباب مثل «ما هكذا يا سعد تورد الإبل». والدلالة واضحة طبعاً، لكن إذا كان الأمر مغلقاً على سعد نفسه، فكيف يمكن أن يفهمه الزميل جورج أندراوس، الذي يعاتبه زميله جان لوي اده في حوار في أحد مقاهي شارع مونو، بمقال هذا عنوانه: «ما هكذا يا جان لوي تورد الإبل». وكل النقاش في المقال عن الأملاك البحرية على شواطئ بلدكم العزيز، فلا صحارى ولا إبل.
غير أن القصد واضح تماماً، وهو أن سعادتك قد أخطأت، ليس في حقنا فحسب، بل حتى في حق الإبل التي تستحق عناية أفضل.
تحدث السالفون بالأمثال إلى تواليهم وأحفادهم. فلم تكن لديهم معادلات حسابية أو فيزيائية يقدمونها لإثبات المراد المنطقي. وقد لفتني وزير اقتصاد النرويج عندما خاطب أحد أرقى شعوب العالم بالمثل الذي كان يردده الجدود في القرى: «على قد بساطك مد رجليك». عبقرية المعادلة في وضوحها. وما ينطبق اليوم في دولة متقدمة مثل النرويج، كان ينطبق قبل عقود طويلة في بلدان البسط والبساطة. وسواء كنت تعرف روما أم لا، وسواء كنت تعرف ما هي الطاحونة أم لا، فإنك تعرف أن الطرق تتفرع قليلاً، تتعرج قليلاً، ثم الوصول.
لا بد أن تكون الخواتيم مفرحة، لكن إليكم ما قال نزار قباني: «كل الدروب لدى الأوروبي توصل إلى روما/ وكل دروب الحب توصل إلى حلب».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية